الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              180 [ 2855 ] وعن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله [ البقرة : 284 ] قال : دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : قولوا : سمعنا وأطعنا وسلمنا ، قال : فألقى الله الإيمان في قلوبهم ، فأنزل الله تعالى : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال : قد فعلت ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا قال : قد فعلت واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين [ البقرة : 286 ] قال : قد فعلت .

                                                                                              رواه مسلم (126) ، والترمذي (2995) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ البقرة : 286 ] التكليف هو الأمر بما يشق عليه ، وتكلفت الشيء : تجشمته . حكاه الجوهري ، والوسع : الطاقة والجدة . وهذا خبر من الله تعالى أنه لا يأمرنا إلا بما نطيقه ويمكننا إيقاعه عادة ، وهو الذي لم يقع في الشريعة غيره ، ويدل على ذلك تصفحها ، وقد حكي الإجماع على ذلك . وإنما الخلاف في جواز التكليف بما لا يمكننا إيقاعه عقلا ، كالجمع بين الضدين ، أو عادة ، كالطيران في الهواء ، والمشي على الماء ، فمن مجوز ، ومن مانع ، وقد بينا ذلك في الأصول ، واستيفاء الكلام عليها في علم الكلام .

                                                                                              تنبيه : الله تعالى بلطفه بنا وإنعامه علينا ، وإن كان قد كلفنا بما يشق علينا ، [ ص: 322 ] ويثقل ، كثبوت الواحد للعشرة ، وهجرة الإنسان وخروجه عن وطنه ، ومفارقة أهله وولده وعادته ، لكنه لم يكلفنا بالمشقات المثقلة ، ولا بالأمور المؤلمة كما كلف من قبلنا ; إذ كلفهم بقتل أنفسهم ، وقرض موضع البول من أبدانهم ، بل سهل ورفق بنا ، ووضع عنا الإصر والأغلال التي وضعها على من كان قبلنا ، فله الحمد والمنة ، والفضل والنعمة .

                                                                                              و (قوله : لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت [ البقرة : 286 ] دليل على صحة إطلاق أئمتنا على أفعال العباد : كسبا واكتسابا ، ولذلك لم يطلقوا على ذلك : لا خلق ، ولا خالق ، خلافا لمن أطلق ذلك من مجترئة المبتدعة ، ومن أطلق من أئمتنا على العبد فاعل ، فالمجاز المحض ، كما يعرف في الكلام .

                                                                                              و (قوله : لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [ البقرة : 286 ] أي : اعف عن إثم ما يقع منا على هذين الوجهين أو أحدهما ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه " أي : إثم ذلك ، وهذا لم يختلف فيه : أن الإثم مرفوع ، وإنما اختلف فيما يتعلق على ذلك من الأحكام ; هل ذلك مرفوع لا يلزم [ ص: 323 ] منه شيء ، أو يلزم أحكام ذلك كله ؟ اختلف فيه . والصحيح أن ذلك يختلف بحسب الوقائع ، فقسم : لا يسقط بالخطأ والنسيان باتفاق ، كالغرامات والديات والصلوات ، وقسم يسقط باتفاق ، كالقصاص والنطق بكلمة الكفر ونحو ذلك . وقسم ثالث يختلف فيه ، وصوره لا تنحصر ، ويعرف تفصيل ذلك في الفروع .

                                                                                              والإصر : الثقل والمشقة الفادحة . وقول ابن عباس في هذا الحديث حكاية عن الله تعالى : " قد فعلت " . وقول أبي هريرة في حديثه الذي تقدم في كتاب الإيمان : قال : " نعم " دليل على أنهم كانوا ينقلون الحديث بالمعنى ، وقد قررنا في الأصول : أن ذلك جائز من العالم بمواقع الألفاظ ، وأن ذلك لا يجوز لمن بعد الصدر الأول لتغير اللغات ، وتباين الكلمات . والمولى : الولي . والناصر : المعين على العدو . والكافر : الجاحد .




                                                                                              الخدمات العلمية