الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير

[ ص: 181 ] قرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : "ولقد صدق" بتخفيف الدال "إبليس" رفعا "ظنه" بالنصب على المصدر، وقيل: على الظرفية، أي: في ظنه، وقيل: على المفعول، على معنى أنه لما ظن عمل عملا يصدق به ذلك الظن، فكأنه إنما أراد أن يصدق ظنه، وهذا نحو قولك: "أخطأت ظني وأصبت ظني". وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : "صدق" بتشديد الدال، و"الظن" - على هذا - مفعول بـ"صدق"، وهي قراءة ابن عباس ، وقتادة ، وطلحة ، [ وعاصم ] والأعمش . وقرأ الزهري ، وأبو الهجهاج، وبلال بن أبي بردة : "صدق" بتخفيف الدال "إبليس" نصبا "ظنه" رفعا. وقرأت فرقة: "صدق" بتخفيف الدال "إبليس" بالرفع "ظنه" بالرفع على البدل، وهو بدل الاشتمال.

ومعنى الآية أن ما قال إبليس من أنه سيفتن بني آدم ويغويهم، وما قال من أن الله لا يجد أكثرهم شاكرين، وغير ذلك كان ظنا منه وصدق فيهم، وأخبر الله تعالى عنهم أنهم اتبعوه وهو اتباع في كفر; لأنه في قصة قوم كفار، وقوله تعالى: ممن هو منها في شك يدل على ذلك، و"من" في قوله: "من المؤمنين" لبيان الجنس لا للتبعيض; لأن التبعيض يقتضي أن فريقا من المؤمنين اتبع إبليس.

و"السلطان": الحجة، وقد يكون الاستعلاء والاستقدار; إذ اللفظ من التسلط، وقال الحسن بن أبي الحسن: والله ما كان له سوط ولا سيف ولكنه استمالهم فمالوا بتزيينه. وقوله تعالى: إلا لنعلم أي: لنعلمه موجودا; لأن العلم به متقدم أولا. وقرأت فرقة: "إلا ليعلم" بالياء على المجهول.

وقوله تعالى: قل ادعوا الذين زعمتم آية تعجيز وإقامة حجة، ويروى أن ذلك نزل عند الجوع الذي أصاب قريشا. والجمهور على "قل ادعوا" بضم اللام، وروى عباس عن أبي عمرو : "قل ادعوا" بكسر اللام "الذين" يريد الملائكة والأصنام; وذلك أن قريشا والعرب كان منهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يقول: نعبدها لتشفع لنا، ونحو [ ص: 182 ] هذا، فنزلت هذه الآية معجزة لكل منهم. ثم جاء بصفة هؤلاء الذين يدعونهم آلهة، من أنهم لا يملكون ملك الاختراع مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، وأنهم لا شرك لهم فيها، وهذان فيهما نوعا الملك: إما استبدادا وإما مشاركة، فنفى عنهم جميع ذلك، ونفى أن يكون منهم لله معين في شيء من قدرته، و"الظهير": المعين. ثم تقرر في الآية بعد أن الذين يظنون أنهم يشفعون لهم لا تصح منهم شفاعة لهم; إذ هؤلاء كفرة، ولا يأذن الله في الشفاعة في كافر.

التالي السابق


الخدمات العلمية