تفسير سورة قريش
وهي مكية بلا خلاف.
قوله عز وجل:
لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف
قرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو وحفص عن ، عاصم ، وحمزة : "لإيلاف قريش إيلافهم" على "إفعال" والهمزة الثانية ياء. وقرأ والكسائي : "لإلآف" على "فعال" "إيلافهم"، على إفعال بياء في الثانية، وقرأ ابن عامر عن أبو بكر بهمزتين فيهما، الثانية ساكنة قال عاصم : وتحقيق أبو علي هاتين الهمزتين لا وجه له، وقرأ عاصم "إلفهم" بلام ساكنة. أبو جعفر
و"قريش": ولد النضر بن كنانة ، والتقرش: التكسب، تقول العرب "ألف الرجل الأمر وآلفه غيره إياه"، فالله تعالى آلف قريشا أي: جعلهم يألفون رحلتين في العام، واحدة في الشتاء وأخرى في الصيف، ويقال أيضا: "ألف" بمعنى "آلف"، وأنشد أبو زيد :
من المؤلفات الرمل أدماء حرة شعاع الضحى في جيدها يتوضح
فإلف وإلاف مصدر "ألف"، وإيلاف مصدر "آلف"، قال بعض الناس: كانت [ ص: 693 ] الرحلتان إلى الشام في التجارة وقيل الأرباح، ومنه قول الشاعر:
سفرين سنهما له ولغيره سفر الشتاء ورحلة الأصياف
وقال : كانت رحلة الشتاء إلى ابن عباس اليمن، ورحلة الصيف إلى بصرى من أرض الشام. قال أبو صالح : كانتا جميعا إلى الشام، وقال أيضا: كانوا يرحلون في الصيف إلى ابن عباس الطائف حيث الماء والظل، ويرحلون في الشتاء إلى مكة للتجارة وسائر أغراضهم، فهاتان رحلتا الشتاء والصيف، قال : فمعنى الآية: لأن الله تعالى فعل الخليل بن أحمد بقريش هذا ومكنهم من إلفهم هذه النعمة ليعبدوا رب هذا البيت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وذكر "البيت" هنا متمكن لتقدم حمايته في السورة التي قبلها.
وقال وغيره: قوله تعالى: "لإيلاف قريش" متعلقة بقوله سبحانه: الأخفش فجعلهم كعصف مأكول . أي: ليفعل بقريش هذه الأفاعيل الجميلة، وقال بعض المفسرين: معنى الآية: اعجبوا لإيلاف قريش هذه الأسفار وإعراضهم عن عبادة الله ثم أمرهم تعالى بالعبادة بعد، وأعلمهم أن الله هو الذي أطعمهم وآمنهم لا سفرهم، والمعنى: فليعبدوا الذي أطعمهم بدعوة إبراهيم عليه السلام حيث قال: وارزقهم من الثمرات ، وآمنهم بدعوته حيث قال: رب اجعل هذا البلد آمنا ، ولا تشتغلوا بالأسفار فإنها طلب كسب وعرض دنيا. وقال : كانت لهم أربع رحل، وهذا قول مردود، وقال النقاش : معنى الآية كما ألفوا هاتين الرحلتين لدنياهم فليعبدوا رب هذا عكرمة البيت لآخرتهم، وقال : إنما عددت عليهم الرحلتان لأنهم كانوا يأمنون من الناس في سفرهم، والناس يغير بعضهم على بعض، ولا يمكن قبيلا من قتادة العرب أن يرحل آمنا كما تفعل قريش، فالمعنى: فليعبدوا الذي خصهم بهذه الحال فأطعمهم وآمنهم.
[ ص: 694 ] وقوله تعالى: "من جوع" معناه أن أهل مكة قاطنون بواد غير ذي زرع عرضة للجوع والجدب لولا لطف الله تعالى وأن جعلها بدعوة إبراهيم عليه السلام تجبى إليها ثمرات كل شيء، وقوله تعالى: من خوف أي جعلهم لحرمة البيت مفضلين عند العرب يأمنون والناس خائفون، ولولا فضل الله تعالى في ذلك لكانوا بمدرج المخاوف. وقال ابن عباس : "آمنهم من خوف" معناه من الجذام فلا ترى والضحاك بمكة مجذوما.
كمل تفسير [سورة قريش] والحمد لله رب العالمين