الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ولا يختلى خلاها ) لا خلاف أن المراد من ذلك ما ينبت بنفسه دون ما أنبته الآدميون ، ولا يدخل اليابس في الحديث ، بل هو للرطب خاصة ، فإن الخلا بالقصر الحشيش الرطب ما دام رطبا ، فإذا يبس فهو حشيش ، وأخلت الأرض كثر خلاها ، واختلاء الخلى : قطعه ، ومنه الحديث ( كان ابن عمر يختلي لفرسه ) أي يقطع لها الخلى ، ومنه سميت المخلاة ، وهي وعاء الخلى ، والإذخر مستثنى بالنص ، وفي تخصيصه بالاستثناء دليل على إرادة [ ص: 397 ] العموم فيما سواه .

فإن قيل : فهل يتناول الحديث الرعي أم لا ؟ قيل : هذا فيه قولان .

أحدهما : لا يتناوله فيجوز الرعي ، وهذا قول الشافعي .

والثاني : يتناوله بمعناه وإن لم يتناوله بلفظه ، فلا يجوز الرعي ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والقولان لأصحاب أحمد .

قال المحرمون : وأي فرق بين اختلائه وتقديمه للدابة وبين إرسال الدابة عليه ترعاه ؟

قال المبيحون : لما كانت عادة الهدايا أن تدخل الحرم ، وتكثر فيه ، ولم ينقل قط أنها كانت تسد أفواهها ، دل على جواز الرعي .

قال المحرمون : الفرق بين أن يرسلها ترعى ويسلطها على ذلك ، وبين أن ترعى بطبعها من غير أن يسلطها صاحبها ، وهو لا يجب عليه أن يسد أفواهها ، كما لا يجب عليه أن يسد أنفه في الإحرام عن شم الطيب ، وإن لم يجز له أن يتعمد شمه ، وكذلك لا يجب عليه أن يمتنع من السير ؛ خشية أن يوطئ صيدا في طريقه ، وإن لم يجز له أن يقصد ذلك ، وكذلك نظائره .

فإن قيل : فهل يدخل في الحديث أخذ الكمأة والفقع ، وما كان مغيبا في الأرض ؟ قيل : لا يدخل فيه لأنه بمنزلة الثمرة ، وقد قال أحمد : يؤكل من شجر الحرم الضغابيس والعشرق .

التالي السابق


الخدمات العلمية