الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن قيل : فهل له منعه من دخول ملكه ، وهل يجوز دخوله في ملكه بغير إذنه ؟

قيل : قد قال بعض أصحابنا : لا يجوز له دخول ملكه لأخذ ذلك بغير إذنه ، وهذا لا أصل له في كلام الشارع ، ولا في كلام الإمام أحمد ، بل قد نص أحمد على جواز الرعي في أرض غير مباحة مع أن الأرض ليست مملوكة له ولا مستأجرة ، ودخولها لغير الرعي ممنوع منه . فالصواب أنه [ ص: 713 ] يجوز له دخولها لأخذ ما له أخذه ، وقد يتعذر عليه غالبا استئذان مالكها ، ويكون قد احتاج إلى الشرب وسقي بهائمه ، ورعي الكلأ ، ومالك الأرض غائب ، فلو منعناه من دخولها إلا بإذنه كان في ذلك إضرار ببهائمه .

وأيضا فإنه لا فائدة لهذا الإذن ؛ لأنه ليس لصاحب الأرض منعه من الدخول ، بل يجب عليه تمكينه ، فغاية ما يقدر أنه لم يأذن له ، وهذا حرام عليه شرعا لا يحل له منعه من الدخول ، فلا فائدة في توقف دخوله على الإذن .

وأيضا فإنه إذا لم يتمكن من أخذ حقه الذي جعله له الشارع إلا بالدخول ، فهو مأذون فيه شرعا ، بل لو كان دخوله بغير إذنه لغيرة على حريمه وعلى أهله فلا يجوز له الدخول بغير إذن ، فأما إذا كان في الصحراء ، أو دار فيها بئر ولا أنيس بها ، فله الدخول بإذن وغيره ، وقد قال الله تعالى : ( ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم ) [ النور : 29 ] ، وهذا الدخول الذي رفع عنه الجناح هو الدخول بلا إذن ، فإنه قد منعهم قبل من الدخول لغير بيوتهم حتى يستأنسوا ويسلموا على أهلها ، والاستئناس هنا : الاستئذان ، وهي في قراءة بعض السلف كذلك ، ثم رفع عنهم الجناح في دخول البيوت غير المسكونة لأخذ متاعهم ، فدل ذلك على جواز الدخول إلى بيت غيره وأرضه غير المسكونة ، لأخذ حقه من الماء والكلأ ، فهذا ظاهر القرآن ، وهو مقتضى نص أحمد وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية