الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر صلى بها الصبح ، وركب المسلمون ، فخرج أهل خيبر بمساحيهم ومكاتلهم ، ولا يشعرون ، بل خرجوا لأرضهم ، فلما رأوا الجيش قالوا : محمد والله ، محمد والخميس ، ثم رجعوا هاربين إلى حصونهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الله أكبر خربت خيبر ، الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين )

[ ص: 284 ] ولما دنا النبي صلى الله عليه وسلم وأشرف عليها قال : " قفوا " فوقف الجيش ، فقال : ( اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ، وخير ما فيها ، ونعوذ بك من شر هذه القرية وشر أهلها وشر ما فيها ، أقدموا بسم الله )

ولما كانت ليلة الدخول قال : ( لأعطين هذه الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه . فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها ، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب ؟ فقالوا : يا رسول الله ، هو يشتكي عينيه . قال : فأرسلوا إليه . فأتي به ، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ، ودعا له ، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية ، فقال : يا رسول الله ، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ قال : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما [ ص: 285 ] يجب عليهم من حق الله فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير من أن يكون لك حمر النعم ) .

فخرج مرحب وهو يقول :


أنا الذي سمتني أمي مرحب شاكي السلاح بطل مجرب

    إذا الحروب أقبلت تلهب



فبرز إليه علي وهو يقول :


أنا الذي سمتني أمي حيدره     كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السندره

فضرب مرحبا ففلق هامته ، وكان الفتح .

ولما دنا علي رضي الله عنه من حصونهم اطلع يهودي من رأس الحصن فقال : من أنت ؟ فقال أنا علي بن أبي طالب . فقال اليهودي : علوتم وما أنزل على موسى .

هكذا في " صحيح مسلم " أن ( علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو الذي قتل مرحبا )

[ ص: 286 ] وقال موسى بن عقبة : عن الزهري وأبي الأسود عن عروة . ويونس بن بكير عن ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن سهل أحد بني حارثة عن جابر بن عبد الله ، أن محمد بن مسلمة هو الذي قتله ، قال جابر في حديثه : ( خرج مرحب اليهودي من حصن خيبر قد جمع سلاحه وهو يرتجز ويقول : من يبارز ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لهذا ؟ فقال محمد بن مسلمة : أنا له يا رسول الله ، أنا والله الموتور الثائر ، قتلوا أخي بالأمس . يعني محمود بن مسلمة ، وكان قتل بخيبر ، فقال : قم إليه ، اللهم أعنه عليه . فلما دنا أحدهما من صاحبه دخلت بينهما شجرة ، فجعل كل واحد منهما يلوذ بها من صاحبه ، كلما لاذ بها منه اقتطع صاحبه بسيفه ما دونه منها ، حتى برز كل واحد منهما لصاحبه ، وصارت بينهما كالرجل القائم ما فيها فنن ، ثم حمل على محمد فضربه ، فاتقاه بالدرقة ، فوقع سيفه فيها فعضت به فأمسكته ، وضربه محمد بن مسلمة فقتله ) . وكذلك قال سلمة بن سلامة ومجمع بن حارثة : إن محمد بن مسلمة قتل مرحبا .

قال الواقدي : وقيل : إن محمد بن مسلمة ضرب ساقي مرحب فقطعهما ، فقال مرحب : أجهز علي يا محمد . فقال محمد : ذق الموت كما ذاقه أخي محمود . وجاوزه ، ومر به علي رضي الله عنه فضرب عنقه وأخذ سلبه ، فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سلبه ، فقال محمد بن مسلمة : يا رسول الله ، ما قطعت رجليه ثم تركته إلا ليذوق الموت ، وكنت قادرا أن أجهز عليه . فقال علي رضي الله عنه : صدق ، ضربت عنقه بعد أن قطع رجليه . فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة سيفه ورمحه ومغفره وبيضته . وكان عند آل محمد بن مسلمة سيفه فيه كتاب لا يدرى ما فيه حتى قرأه يهودي فإذا فيه :


هذا سيف مرحب     من يذقه يعطب



[ ص: 287 ] ثم خرج [ بعد مرحب أخوه ] ياسر فبرز إليه الزبير ، فقالت صفية أمه : يا رسول الله ، يقتل ابني ؟ قال : " بل ابنك يقتله إن شاء الله " . فقتله الزبير .

التالي السابق


الخدمات العلمية