[ ص: 142 ] فصل
وكذلك كان هديه صلى الله عليه وسلم وسيرته في الطعام لا يرد موجودا ولا يتكلف مفقودا ، فما قرب إليه شيء من الطيبات إلا أكله ، إلا أن تعافه نفسه فيتركه من غير تحريم ( ) كما ترك وما عاب طعاما قط ، إن اشتهاه أكله وإلا تركه لما لم يعتده ، ولم يحرمه على الأمة ، بل أكل على مائدته وهو ينظر . أكل الضب
وأكل الحلوى ، والعسل وكان يحبهما ، وأكل لحم الجزور والضأن والدجاج ، ولحم الحبارى ، والأرنب ، وطعام البحر ، وأكل الشواء ، وأكل الرطب والتمر ، وشرب اللبن خالصا ومشوبا ، والسويق ، والعسل بالماء ، وشرب نقيع التمر ، وأكل الخزيرة وهي حساء يتخذ من اللبن والدقيق ، وأكل القثاء بالرطب وأكل الأقط ، وأكل التمر بالخبز ، وأكل الخبز بالخل ، وأكل الثريد وهو الخبز باللحم ، وأكل الخبز بالإهالة وهي الودك ، وهو الشحم المذاب ، وأكل من الكبد المشوية ، وأكل القديد ، وأكل الدباء المطبوخة وكان يحبها ، وأكل المسلوقة وأكل الثريد بالسمن ، وأكل الجبن ، وأكل الخبز بالزيت ، وأكل البطيخ بالرطب ، وأكل التمر بالزبد وكان يحبه ، ولم يكن يرد طيبا ولا يتكلفه ، بل كان هديه أكل ما تيسر ، فإن أعوزه صبر حتى إنه ليربط على بطنه الحجر من الجوع ، ويرى الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيته نار . ولحم حمار الوحش
وكان في السفرة وهي كانت مائدته ، وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقها إذا فرغ ، وهو أشرف ما يكون من الأكلة ، فإن المتكبر يأكل بأصبع واحدة ، والجشع الحريص يأكل بالخمس ويدفع بالراحة . معظم مطعمه يوضع على الأرض
[ ص: 143 ] ، والاتكاء على ثلاثة أنواع ، أحدها : الاتكاء على الجنب ، والثاني : التربع ، والثالث : الاتكاء على إحدى يديه وأكله بالأخرى ، والثلاث مذمومة . وكان لا يأكل متكئا
فيقول عند انقضائه : ( وكان يسمي الله تعالى على أول طعامه ، ويحمده في آخره ) . وربما قال : ( الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا ) . الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ، من علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا وكل بلاء حسن أبلانا ، الحمد لله الذي أطعم من الطعام ، وسقى من الشراب ، وكسا من العري ، وهدى من الضلالة وبصر من العمى ، وفضل على كثير ممن خلق تفضيلا ، الحمد لله رب العالمين
وربما قال : ( ) . الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه
وكان ، ولم يكن لهم مناديل يمسحون بها أيديهم ، ولم يكن عادتهم غسل أيديهم كلما أكلوا . إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه
، بل زجر عن وكان أكثر شربه قاعدا وشرب مرة [ ص: 144 ] قائما . فقيل : هذا نسخ لنهيه ، وقيل : بل فعله لبيان جواز الأمرين ، والذي يظهر فيه - والله أعلم - أنها واقعة عين شرب فيها قائما لعذر ، وسياق القصة يدل عليه ، فإنه أتى الشرب قائما زمزم وهم يستقون منها فأخذ الدلو وشرب قائما .
والصحيح في هذه المسألة النهي عن الشرب قائما وجوازه لعذر يمنع من القعود ، وبهذا تجمع أحاديث الباب والله أعلم .
وكان إذا شرب ناول من على يمينه وإن كان من على يساره أكبر منه .