[ ص: 179 ] فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في خطبته ، وعلى البعير ، وعلى الناقة . خطب صلى الله عليه وسلم على الأرض ، وعلى المنبر ) ويقول : ( وكان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول : ( صبحكم ومساكم محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة ) بعثت أنا والساعة كهاتين ، ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ، ويقول : أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي
وكان لا يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله . وأما قول كثير من الفقهاء : إنه يفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار ، وخطبة العيدين بالتكبير فليس معهم فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم البتة ، وسنته تقتضي خلافه ، وهو ، وهو أحد الوجوه الثلاثة لأصحاب افتتاح جميع الخطب بالحمد لله أحمد ، وهو اختيار شيخنا قدس الله سره .
وكان يخطب قائما ، وفي مراسيل عطاء وغيره ( ) قال أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر أقبل بوجهه على الناس ثم قال : السلام عليكم : وكان الشعبي أبو بكر وعمر يفعلان ذلك . وكان يختم خطبته بالاستغفار ، وكان كثيرا يخطب [ ص: 180 ] بالقرآن . وفي صحيح مسلم أم هشام بنت حارثة قالت : ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس ) ، وذكر عن ( أبو داود عن ( ابن مسعود محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا ) وقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال : الحمد لله نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن أبو [ ص: 181 ] داود يونس ، أنه سأل عن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فذكر نحو هذا ، إلا أنه قال : ومن يعصهما فقد غوى ابن شهاب ) عن (
قال : ( وبلغنا ابن شهاب ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا خطب : كل ما هو آت قريب ، لا بعد لما هو آت ، ولا يعجل الله لعجلة أحد ، ولا يخف لأمر الناس ، ما شاء الله لا ما شاء الناس ، يريد الله شيئا ويريد الناس شيئا ، ما شاء الله كان ولو كره الناس ، ولا مبعد لما قرب الله ، ولا مقرب لما بعد الله ، ولا يكون شيء إلا بإذن الله
وكان مدار خطبه على حمد الله والثناء عليه بآلائه وأوصاف كماله ومحامده ، وتعليم قواعد الإسلام ، وذكر الجنة والنار والمعاد ، والأمر بتقوى الله ، وتبيين موارد غضبه ومواقع رضاه ، فعلى هذا كان مدار خطبه .
( وكان يقول في خطبه : ) أيها الناس إنكم لن تطيقوا - أو لن تفعلوا - كل ما أمرتم به ، ولكن سددوا وأبشروا
وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم ، ولم [ ص: 182 ] يكن يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله ، ويتشهد فيها بكلمتي الشهادة ، ويذكر فيها نفسه باسمه العلم .
وثبت عنه أنه قال : ( ) كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء
ولم يكن له شاويش يخرج بين يديه إذا خرج من حجرته ، ولم يكن يلبس لباس الخطباء اليوم ، لا طرحة ولا زيقا واسعا .
وكان منبره ثلاث درجات ، فإذا استوى عليه واستقبل الناس أخذ المؤذن في الأذان فقط ولم يقل شيئا قبله ولا بعده ، فإذا أخذ في الخطبة لم يرفع أحد صوته بشيء البتة لا مؤذن ولا غيره .
وكان إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها وهو على المنبر ، كذا ذكره عنه أبو داود عن . وكان الخلفاء الثلاثة بعده يفعلون ذلك ، وكان أحيانا يتوكأ على قوس ، ولم يحفظ عنه أنه توكأ على سيف ، وكثير من الجهلة [ ص: 183 ] يظن أنه كان يمسك السيف على المنبر إشارة إلى أن الدين إنما قام بالسيف ، وهذا جهل قبيح من وجهين : ابن شهاب
أحدهما : أن المحفوظ أنه صلى الله عليه وسلم توكأ على العصا وعلى القوس .
الثاني : أن الدين إنما قام بالوحي ، وأما السيف فلمحق أهل الضلال والشرك ، ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يخطب فيها إنما فتحت بالقرآن ولم تفتح بالسيف .
وكان إذا عرض له في خطبته عارض اشتغل به ثم رجع إلى خطبته ( الحسن والحسين يعثران في قميصين أحمرين ، فقطع كلامه فنزل فحملهما ثم عاد إلى منبره ثم قال : صدق الله العظيم ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) [ الأنفال : 28 ] رأيت هذين يعثران في قميصيهما فلم أصبر حتى قطعت كلامي فحملتهما ) وكان يخطب فجاء
( سليك الغطفاني وهو يخطب فجلس فقال له : قم يا سليك فاركع ركعتين وتجوز فيهما ، ثم قال وهو على المنبر : إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما ) وجاء
[ ص: 184 ] وكان يقصر خطبته أحيانا ، ويطيلها أحيانا بحسب حاجة الناس . وكانت خطبته العارضة أطول من خطبته الراتبة . وكان يخطب النساء على حدة في الأعياد ، ويحرضهن على الصدقة ، والله أعلم .