الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2908 269 - حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن أبي حيان قال: حدثني أبو زرعة قال: حدثني أبو هريرة رضي الله عنه قال: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره قال: لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء على رقبته فرس له حمحمة يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، وعلى رقبته بعير له رغاء يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، وعلى رقبته صامت فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، أو على رقبته رقاع تخفق فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، وقال أيوب عن أبي حيان: فرس له حمحمة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، ويحيى هو القطان، وأبو حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف، اسمه يحيى بن سعيد التيمي، وأبو زرعة اسمه هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي.

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في كتاب الزكاة في باب إثم مانع الزكاة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لا ألفين " بضم الهمزة وبالفاء المكسورة أي لا أجدن، هكذا الرواية للأكثرين، بلفظ النفي المؤكد بالنون، والمراد به النهي، ورواه الهروي بفتح الهمزة، والقاف من اللقاء، وكذا في بعض رواية مسلم، قوله: " على رقبته "، وفي رواية مسلم: " وعلى رقبته " بالواو للحال، قوله: " ثغاء " بضم الثاء المثلثة وتخفيف الغين المعجمة، وهو صوت الشاة يقال: ثغا ثغوا، قوله: " حمحمة " بفتح المهملتين صوت الفرس إذا طلب العلف، قوله: " لا أملك لك شيئا "، أي من المغفرة؛ لأن الشفاعة أمرها إلى الله، قوله: " قد أبلغتك " ويروى: " بلغتك " أي لا عذر لك بعد الإبلاغ، وهذا مبالغة في الزجر، وتغليظ في الوعيد، وإلا فهو صاحب الشفاعة في مذنبي هذه الأمة يوم القيامة، قوله: " رغاء " بضم الراء، وتخفيف الغين المعجمة، وبالمد: صوت البعير. قوله: " صامت "، وهو الذهب والفضة. قوله: " رقاع " جمع رقعة، وهي الخرقة، قوله: " تخفق "، أي تتحرك وتضطرب، وليس المراد منه الخرقة بعينها، بل تعميم الأجناس من الحيوان والنقود والثياب وغيرها، وقال ابن الجوزي: المراد بالرقاع الثياب، وقال الحميدي: المراد بها ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرقاع، ورد عليه ابن الجوزي بأن الحديث سيق لذكر الغلول الحسي، فحمله على الثياب أنسب، قوله: " وقال أيوب " أي السختياني عن أبي حيان المذكور فيه: " فرس له حمحمة " كذا للأكثرين في الموضعين ووقع في رواية الكشميهني في الرواية الأولى: " على رقبته له حمحمة " بحذف لفظ: " فرس "، وكذا هو في رواية النسفي وأبي علي بن شبويه، فعلى هذا ذكر طريق أيوب للتنصيص على ذكر الفرس في موضعين.

                                                                                                                                                                                  ومما ينبه عليه هنا ما قاله ابن المنذر: أجمع العلماء أن الغال عليه أن يرد ما غل إلى صاحب المقاسم ما لم يفترق الناس، واختلفوا فيما يفعل بعد ذلك إذا افترق الناس، فقالت طائفة: يدفع إلى الإمام خمسه ويتصدق بالباقي، وهو قول الحسن ومالك والأوزاعي والليث والزهري والثوري وأحمد، وروي عن ابن مسعود وابن عباس ومعاوية، وقال الشافعي وطائفة: يجب تسليمه إلى الإمام، أو الحاكم كسائر الأموال الضائعة، وليس له الصدقة بمال غيره، وعن ابن مسعود: أنه رأى أن يتصدق بالمال الذي لا يعرف صاحبه، واختلفوا في عقوبة الغال، فقال الجمهور: يعزر بقدر حاله على ما يراه [ ص: 8 ] الإمام ولا يحرق متاعه، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي ومالك وجماعة كثيرة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وقال الحسن وأحمد وإسحاق ومكحول والأوزاعي: يحرق رحله ومتاعه كله، قال الأوزاعي: إلا سلاحه وثيابه التي عليه، قال الحسن: إلا الحيوان والمصحف، وقال: أما حديث ابن عمر عن عمرو رضي الله تعالى عنه مرفوعا في تحريق رحل الغال فهو حديث تفرد به صالح بن محمد، وهو ضعيف عن سالم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرق رحل الذي وجد عنده الخرز والعباءة. قيل: إنما لم يحرق رحل الرجل المذكور؛ لأنه كان ميتا، فخرج ماله إلى ورثته. قلت: قال الطحاوي: ولو صح حمل على أنه كان إذ كانت العقوبات في الأموال كأخذ شطر المال من مانع الزكاة وضالة الإبل وسارق التمر، وكله منسوخ.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية