الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3125 103 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : أخبرنا مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : رأس الكفر نحو المشرق ، والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين من أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 191 ]

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  [ ص: 191 ] مطابقته للترجمة في قوله : " في الغنم " ، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن يحيى بن يحيى عن مالك . قوله : " رأس الكفر نحو المشرق " وفي رواية الكشميهني : قبل المشرق ، بكسر القاف وفتح الباء ، أي من جهته يريد أنه كان في عهده حين قال ذلك ، وفيه إشارة إلى شدة كفر المجوس ; لأن مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة إلى المدينة ، وكانوا في غاية القوة والكثرة والتجبر حتى إن ملكهم مزق كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، والدجال أيضا يأتي من المشرق من قرية تسمى رستاباذ فيما ذكره الطبري ، ومن شدة أكثر أهل المشرق كفرا وطغيانا أنهم كانوا يعبدون النار ، وأن نارهم ما انطفأت ألف سنة وكان الذين يخدمونها وهم السدنة خمسة وعشرون ألف رجل .

                                                                                                                                                                                  قوله : " والفخر " بالخاء المعجمة مشهور ، ومنه إعجاب النفس . قوله : " والخيلاء " بضم الخاء المعجمة وفتح الياء آخر الحروف مخففة وبالمد الكبر واحتقار غيره . قوله : " والفدادين " قال الخطابي : الفدادون يفسر على وجهين أن يكون جمعا للفداد ، وهو الشديد الصوت من الفديد ، وذلك من دأب أصحاب الإبل إذا رويته بتشديد الدال من فد إذا رفع صوته ، والوجه الآخر أنه جمع الفدان ، وهو آلة الحرث ، وذلك إذا رويته بالتخفيف يريد أهل الحرث .

                                                                                                                                                                                  وقال القزاز : الفدادون بتشديد الدال جمع فداد ، وهو من بلغت إبله مائتين وألفا إلى أكثر ، وقال أبو عبيدة نحوه ، وهم المكثرون من الإبل جفاة وأهل خيلاء ، وقال أبو العباس : هم الجمالون والرعيان والبقارون والحمالون ، وقال الأصمعي : هم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم وأموالهم ومواشيهم قال : والفديد الصوت الشديد ، وقال أبو عمرو الشيباني : هو بالتخفيف جمع فداد بالتشديد وهو عبارة عن البقر التي يحرث عليها وأهلها أهل جفاء لبعدهم ، حكاه أبو عبيدة ، وأنكر عليه ، وعلى هذا المراد بذلك أصحابها بحذف مضاف ، وقال القرطبي : أما الحديث فليس فيه إلا رواية التشديد ، وهو الصحيح على ما قاله الأصمعي وغيره .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن فارس في الحديث : الجفاء والقسوة في الفدادين ، قال : يريد أصحاب الحروث والمواشي ، قال : فديدهم أصواتهم وجلبتهم ، وقال الخطابي : إنما ذم هؤلاء لاشتغالهم بمعالجة ما هم عليه عن أمور دينهم وتلهيهم عن أمر الآخرة ، وتكون منها قساوة القلب ونحوها . قوله : " من أهل الوبر " بفتح الواو والباء الموحدة ، هو بيان الفدادين ، والمراد منه ضد أهل المدر ، فهو كناية عن سكان الصحاري .

                                                                                                                                                                                  قال الكرماني : فإن أريد الوجه الأول من الوجهين ، يعني اللذين ذكرهما الخطابي ، فهو تعميم بعد تخصيص ، واستشكل بعضهم ذكر الوبر بعد ذكر الخيل ، وقال : لأن الخيل لا وبر لها ، وأجيب بأنه لا إشكال فيه ; لأن قوله : " من أهل الوبر " بيان الفدادين كما ذكرناه . قوله : " والسكينة في الغنم " أي السكون والطمأنينة والوقار والتواضع ، وقال ابن خالويه : السكينة مصدر سكن سكينة ، وليس في المصادر له شبيه إلا قولهم عليه ضريبة ، أي خراج معلوم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية