الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3208 58 - حدثنا محمد بن سلام، أخبرنا ابن فضيل، حدثنا حصين، عن شقيق، عن مسروق، قال: سألت أم رومان وهي أم عائشة عما قيل فيها ما قيل قالت: بينما أنا مع عائشة جالستان إذ ولجت علينا امرأة من الأنصار، وهي تقول: فعل الله بفلان وفعل، قالت: فقلت: لم؟ قالت: إنه نمى ذكر الحديث، فقالت عائشة: أي حديث؟ فأخبرتها، قالت: فسمعه أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: نعم، فخرت مغشيا عليها، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لهذه؟ قلت: حمى أخذتها من أجل حديث تحدث به، فقعدت فقالت: والله لئن حلفت لا تصدقوني، ولئن اعتذرت لا تعذروني، فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه، فالله المستعان على ما تصفون، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله ما أنزل فأخبرها، فقالت: بحمد الله لا بحمد أحد.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قولها: "فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه" فإن فيه يوسف أيضا، وسيأتي في قصة الإفك في سورة النور عن عائشة بلفظ: "والتمست اسم يعقوب فلم أجده، فقلت: ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف".

                                                                                                                                                                                  ذكر رجاله وهم ستة:

                                                                                                                                                                                  الأول: محمد بن سلام البخاري البيكندي، وهو من أفراده.

                                                                                                                                                                                  الثاني محمد بن فضيل -مصغر فضل- ابن غزوان الكوفي.

                                                                                                                                                                                  الثالث: حصين بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف ابن عبد الرحمن الهلالي.

                                                                                                                                                                                  الرابع: شقيق بن سلمة الأسدي أبو وائل الكوفي.

                                                                                                                                                                                  الخامس: مسروق بن الأجدع الهمداني الوادعي أبو عائشة الكوفي.

                                                                                                                                                                                  السادس: أم رومان بضم الراء، وقيل بفتحها بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة، قال أبو عمر: هكذا نسبها مصعب، وخالفه غيره، والخلاف من أبيها إلى كنانة كثير جدا، وأجمعوا أنها من بني غنم بن مالك بن كنانة، امرأة أبي بكر الصديق وأم عائشة وعبد الرحمن ابني أبي بكر، وذكر في التوضيح أم رومان دعد، ويقال زينب بنت عمير بن عامر، وقيل: بنت عامر بن عويمر.

                                                                                                                                                                                  ذكر ما قيل في هذا السند: اختلف فيه فقيل: إنه منقطع، قال أبو عمر : رواية مسروق عن أم رومان مرسلة، ولعله سمع ذلك من عائشة رضي الله تعالى عنها، وقال ابن سعد وأبو حسان الزيادي: أم رومان ماتت في حياة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سنة ست، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبرها. زاد الزبير: في ذي الحجة، وقال أبو عمر: سنة أربع، وقيل: سنة خمس، فعلى هذا لا يتجه سماع مسروق منها، ويكون حديثه منقطعا، وقال آخرون: الحديث متصل، فقال أبو إسحاق الحربي في تاريخه وعلله: سأل مسروق أم رومان وله خمس عشرة سنة، ومات وله ثمان وسبعون سنة، وهي أقدم من حدث عنه مسروق، وقد صلى خلف أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، وقال أبو نعيم الحافظ: بقيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم دهرا طويلا، فعلى هذا الحديث متصل، وقال الخطيب: العجب من الحربي كيف خفي عليه استحالة سؤال مسروق لها مع علو قدره في العلم، وأحسب العلة التي دخلت عليه اتصال السند وثقة رجاله، ولم يتفكر فيما وراء ذلك، فهي العلة التي دخلت على البخاري حتى خرجه، أما مسلم فلم يخرجه، ورجاله على شرطه، وأحسبه فطن لاستحالته فرده، وقول الحربي: "سألها وله خمس عشرة سنة" فعلى هذا لو كان له وقت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة سنة فما الذي منعه أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

                                                                                                                                                                                  ولقد انتصر بعضهم للبخاري بأنه لما ذكر رواية علي بن زيد بن جدعان عن القاسم "ماتت أم رومان زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال: فيه نظر; لضعف علي، وانقطاع حديث القاسم، وحديث مسروق أسند، وقال أيضا: الذي رواه ابن سعد [ ص: 280 ] أصله من الواقدي، وفيه مقال، ورد عليه بأن الحميدي قال: كان بعض من لقينا من البغداديين الحفاظ يقولون: الإرسال في هذا الحديث بين، وقال الخطيب: وقع في كتاب في رواية رواه مسروق عن أبي مسعود، عن أم رومان قال: وهو الأشبه، وكذا قاله ناصر السلامي، وقال الخطيب أيضا: الصواب أن يقال: سئلت أم رومان على صيغة المجهول من الماضي، وهذا أشبه بالصحة; لأن من الناس من يكتب الهمزة ألفا في جميع أحوالها: الرفع والنصب والخفض، فلعل بعض النقلة كتب على صورة "سألت" بالألف، ودون عليه ورواه، وقال الكرماني: لا ينفعه هذا العذر; لما جاء في حديث الإفك من المغازي، قال مسروق: "حدثتني أم رومان" قلت: قيل: إنه وهم فيه، وقال الداودي: فيه من الوهم أن أم مسطح من قريش، وقالت: ولجت علينا امرأة من الأنصار، وقال الخطيب: الراوي عن شقيق عن مسروق هو حصين، وحصين قد اختلط في آخر عمره، فلعله روى الحديث في حال اختلاطه.

                                                                                                                                                                                  قال الخطيب أيضا: وفي رواية عن مسروق: سئلت أم رومان، وهذا هو الأشبه بالصحة. والله أعلم.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه): قوله: "عما قيل فيها" أي في عائشة ما قيل من الإفك.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إذ ولجت" أي دخلت.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فعل الله بفلان وفعل" أرادت الأنصارية المذكورة بفلان مسطحا بكسر الميم، وهو مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي، يكنى أبا عباد، وقال أبو عمر: اسمه عوف، لا اختلاف في ذلك، وغلب عليه مسطح، وأمه سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة، وهي ابنة خالة أبي بكر رضي الله عنه، وقيل: أم مسطح سلمى بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، شهد مسطح بدرا، ومات سنة أربع وثلاثين، وهو ابن ست وخمسين سنة، وقد قيل: إنه شهد صفين مع علي رضي الله عنه، وهو الأكثر.

                                                                                                                                                                                  ولما خاض في الإفك على عائشة ونزلت براءتها جلده رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيمن جلد في ذلك، وكان أبو بكر ينفق عليه لقرابته وفقره، فتألى أن لا ينفق عليه، فنزلت ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة الآية، فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها عنه أبدا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إنه نمى" بتشديد الميم من التنمية، وهي رفع الخبر، يقال: نميت الحديث أنميه إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير، فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة قلت: نميته بالتشديد، كذا قاله أبو عبيد وابن قتيبة وغيرهما من العلماء، وقال الحربي: نمى مشددة، وأكثر المحدثين يقولونها مخففة، قال ابن الأثير : وهذا لا يجوز، يعني هاهنا، وفي المطالع وفي رواية أبي ذر بالتخفيف.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بنافض" أي ملتبسة بارتعاد، والنافض من الحمى هو ذات الرعدة، والنفض التحريك.

                                                                                                                                                                                  قوله: "من أجل حديث" وهو حديث الإفك.

                                                                                                                                                                                  قوله: "تحدث به" على صيغة المجهول صفة لحديث.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ومثلي" أي صفتي كصفة يعقوب عليه الصلاة والسلام؛ حيث صبر صبرا جميلا، وقال: والله المستعان قوله: "ما أنزل" وهو قوله تعالى: إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم العشر الآيات، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة أما الله فقد برأك، فقالت أمها: قومي إليه، فقالت: والله لا أقوم إليه فإني ولا أحمد إلا الله عز وجل" وهو معنى قولها "بحمد الله لا بحمد أحد".




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية