الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وذكاة كل حيوان ) بري ، وحشي ، أو إنسي ( قدر عليه بقطع كل الحلقوم ، وهو مخرج النفس ) يعني : [ ص: 322 ] مجراه دخولا ، وخروجا قال بعضهم : ومنه المستدير الناتئ المتصل بالفم كما يدل عليه كلام أهل اللغة ، وتسمى الحرقدة فمتى وقع القطع فيه حل إن لم يتخرم منه شيء كما يدل عليه كلام الأصحاب لا سيما كلام الأنوار بخلاف ما إذا وقع القطع في آخر اللسان ، والخارج عنه إلى جهة الفم ، ويسمى الحرقد بكسر الحاء ، والقاف كما في تكملة الصغاني

                                                                                                                              وهذا وراء الحرقدة السابقة ( و ) كل ( المريء ) بالهمز ( وهو مجرى الطعام ) ، والشراب ، وهو تحت الحلقوم ؛ لأن الحياة إنما تنعدم حالا بانعدامهما ، ويشترط تمحض القطع فلو ذبح بسكين مسموم بسم موح حرم ، ووجود الحياة المستقرة عند ابتداء الذبح خاصة قاله الإمام ، وهو المعتمد خلافا لمن قال : لا بد من بقائها إلى تمامه ، وسيأتي ندب إسراع القطع بقوة ، وتحامل ذهابا ، وعودا ، ومحله إن لم يكن بتأنيه في القطع ينتهي الحيوان قبل تمام قطع المذبح إلى حركة المذبوح ، وإلا وجب الإسراع

                                                                                                                              فإن تأنى حينئذ حرم لتقصيره [ ص: 323 ] وخرج بالقطع خطف رأس بنحو بندقة ؛ لأنه في معنى الخلق ، ويقدر عليه غيره ، وقد مر ، وبكل ذلك بعضه ، وانتهى إلى حركة المذبوح ، ثم قطع الباقي فلا يحل فعلم أنه يضر بقاء يسير من أحدهما لا الجلدة التي فوقهما ، وفي كلام غير واحد أي : تفريعا على ما قاله الإمام كما هو ظاهر أن من ذبح بكال فقطع بعض الواجب ثم أدركه فورا آخر فأتمه بسكين أخرى قبل رفع الأول يده حل سواء أوجدت الحياة المستقرة عند شروع الثاني أم لا ، وفي كلام بعضهم أنه لو رفع يده لنحو اضطرابها فأعادها فورا ، وأتم الذبح حل أيضا ، ولا ينافي ذلك قولهم لو قطع البعض من تحرم ذكاته كوثني ، أو سبع فبقيت الحياة مستقرة فقطع الباقي كله من تحل ذكاته حل ؛ لأن هذا إما مفرع على مقابل كلام الإمام ، وإما لكون السابق محرما فأول الذبح من ابتداء الباقي فاشترط الحياة المستقرة عنده ، وهذا ، أوجه

                                                                                                                              وكذا قول بعضهم لو رفع يده ثم أعادها لم تحل فهو إما مفرع على ذلك ، أو يحمل على ما إذا أعادها لا على الفور ، ويؤيده إفتاء غير واحد فيما لو انقلبت شفرته فردها حالا أنه يحل ، وأيده بعضهم بأن النحر عرفا الطعن في الرقبة فيقع في وسط الحلقوم ، وحينئذ يقطع الناحر جانبا ، ثم يرجع للآخر فيقطعه ، ومر أن الجنين يحل بذبح أمه إذا خرج بعضه ، وإن كان فيه حياة مستقرة .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              [ ص: 321 ] قوله بقطع كل الحلقوم إلخ . ) لو خلق له رأسان ، وعنقان في كل عنق حلقوم ، ومريء فينبغي أن يقال : إن [ ص: 322 ] كانا أصليين فلا بد من قطع كل حلقوم ، ومريء من كل عنق ، وإن كان أحدهما زائدا فإن علم فالعبرة بالأصلي ، وإن اشتبه بالأصلي لم يحل بقطع أحدهما لاحتمال أنه الزائد ، ولا بقطعهما ؛ إذ لم يحصل الزهوق بمحض الذبح الشرعي ، بل به ، وبغيره ، وهو قطع الزائد ، وذلك يقتضي التحريم كما لو قارن الذبح جرحه ، أو نخسه في محل آخر ، ويحتمل أن يحل بقطعهما ؛ لأن الزائد من جنس الأصلي

                                                                                                                              ولو خلق له مريئان فينبغي أن يقال : إن كانا أصليين ، وجب قطعهما ، وإن كان أحدهما زائدا فالعبرة بالأصلي فإن اشتبه بالزائد لم يحل بقطعهما ، ولا بقطع أحدهما على قياس ما تقرر ، ولو خلق حيوانات متعلقات ، وملك كلا واحد فهل لكل مالك ذبح ملكه أو فصله من الآخر ، وإن أدى إلى موت الآخر ، أو تلف عضو منه ، أو منفعته كما أن للإنسان أن يتصرف في ملكه على العادة ، وإن أدى إلى تلف ملك جاره ، وأخذا من قولابن القطان إن للبدنين الملتصقين حكم الشخصين في سائر الأحكام أو لا فيه نظر . والأول غير بعيد ( قوله : بخلاف ما إذا ، وقع القطع في آخر اللسان ، والخارج عنه إلى جهة الفم ، ويسمى الحرقد إلخ . ) قال في الروض : ، ولا يقطع أي : الرأس بإلصاق السكين باللحيين أي فوق الحلقوم ، والمريء

                                                                                                                              ( قوله : ومحله إن لم يكن بتأنيه في القطع إلخ . ) يفيد أنه مع التأني لا بد من قطع الجميع قبل الانتهاء لحركة مذبوح [ ص: 323 ] وأوضح من ذلك قوله : الآتي آخر الصفحة نعم لو تأنى إلخ . ( قوله : ثم قطع الباقي ) بعد ترك القطع لا مع تواليه أيضا أخذا مما تقدم عن الإمام ، ومن التعبير بثم ( قوله : قبل رفع الأول يده ) يحتمل ، أو بعد الرفع على الفور ، أو مع وجود الحياة المستقرة ( قوله : أيضا قبل رفع الأول يده ) يحتمل ، أو بعده على الفور أخذا من قوله الآتي آنفا ، أو يحمل على ما إذا أعادها لا على الفور

                                                                                                                              ( قوله : سواء أوجدت إلخ . ) فعلم الفرق بين الذبح بالكال ، والتأني فتأمله هذا ، وسيأتي في الصفحة الآتية ما ننبه في هامشه على مخالفته لهذا عند عدم الحياة المستقرة عند شروع الثاني ( قوله : فأعادها فورا ) ظاهره ، وإن لم يبق حياة مستقرة ، ويدل عليه ، أو يصرح به قوله : ولا ينافي ذلك قولهم إلخ . فتأمله ( قوله : ، ومر أن الجنين ) أي : أول الباب



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قول المتن قدر عليه ) أي : وفيه حياة مستقرة وقت ابتداء ذبحه ا هـ . مغني ( قول المتن : بقطع كل الحلقوم إلخ ) لو خلق له رأسان ، وعنقان ، وفي كل عنق حلقوم ، ومريء ، فينبغي أن يقال : إن [ ص: 322 ] كانا أصليين فلا بد من قطع كل حلقوم ، ومريء من كل عنق ، وإن كان أحدهما زائدا ، فإن علم فالعبرة بالأصلي ، وإن اشتبه بالأصلي لم يحل بقطع أحدهما لاحتمال أنه الزائد ، ولا بقطعهما ؛ إذ لم يحصل الزهوق بمحض الذبح الشرعي بل به وبغيره ، وهو قطع الزائد ، وذلك يقتضي التحريم كما لو قارن الذبح جرحه ، أو نخسه في محل آخر ، ويحتمل أن يحل بقطعهما ؛ لأن الزائد من جنس الأصلي ، وكذا الأمر فيما لو خلق له مريئان ، ولو خلق حيوانان ملتصقان ، وملكا على التعيين لشخصين فهل لكل مالك ذبح ملكه ، أو فصله من الآخر ، وإن أدى إلى موت الآخر ، أو تلف عضو منه ، أو منفعته كما أن للإنسان أن يتصرف في ملكه على العادة ، وإن أدى إلى تلف ملك جاره أخذا من قول ابن القطان إن للبدنين الملتصقين حكم الشخصين في سائر الأحكام ، أو لا فيه نظر ، والأول غير بعيد ا هـ .

                                                                                                                              سم ( قوله : ومنه ) أي : الحلقوم ( قوله : الناتئ ) أي : المرتفع ( قوله : المتصل ) أي : كالمتصل فهو كناية عن القرب ، وإلا فلا اتصال حقيقة كما هو مشاهد ( قوله : بالفم ) أي : آخره ( قوله : ويسمى الحرقدة ) وهي بفتح الحاء ، والقاف عقدة الحنجور ا هـ . قاموس ( قوله : فيه ) أي : المستدير ( قوله : إن لم ينخرم منه إلخ ) يعني : إن لم يبق منه جزءا لم تمر السكين عليه ، ولم ينفصم بها ( قوله : لا سيما كلام الأنوار ) عبارته الخامس قطع تمامهما ، ولو ترك منهما ، أو من أحدهما شيئا ، وإن قل ومات الحيوان ، أو انتهى إلى حركة المذبوح ، ثم قطع الباقي حرم ، وكذا لو خرج السلاح من رأسهما ، أو من رأس أحدهما ، ولو أمر السكين ملتصقا باللحيين فوبق الحلقوم ، والمريء ، وأبان الرأس حرم ا هـ . ( قوله : بخلاف ما إذا وقع القطع في آخر اللسان إلخ ) قال في الروض : ولا يقطع أي : الرأس بإلصاق السكين باللحيين أي : فوق الحلقوم ، والمريء ا هـ . سم ( قوله : والخارج عنه ) أي : عن المستدير عطف تفسير لآخر اللسان ( قوله : ويسمى ) أي : آخر اللسان إلخ ( قوله : وراء الحرقدة إلخ ) أي : في جهة الرأس ( قوله : وكل المريء ) ولا بد من مباشرة السكين لهما حتى ينقطعا فلو قطع من غيرهما كأن قطع من الكتف ، ولم تصل للحلقوم ، والمريء لم يحل المذبوح .

                                                                                                                              ( فرع )

                                                                                                                              يحرم ذبح الحيوان غير المأكول ، ولو لإراحته كالحمار الزمن مثلا ا هـ . ع ش ( قوله : بالهمز ) على ، وزن أمير ا هـ . قاموس عبارة المغني بفتح ميمه ، وهمز آخره ، ويجوز تسهيله ا هـ . ( قول المتن : مجرى الطعام ) أي : من الحلق إلى المعدة ا هـ . مغني ( قوله : والشراب ) إلى قوله : فلو ذبح في النهاية ، وإلى قوله : وفي كلام غير واحد في المغني إلا قوله : فلو ذبح إلى ، ووجود الحياة ، وقوله : خلافا إلى ، وخرج ، وقوله : وانتهى إلى فعلم ( قوله : موح ) أي : مسرع للموت ، ومسهل له ( قوله : حرم ) سيأتي عن ع ش ما يخالفه لكن بلا عزو ( قوله : ووجود الحياة إلخ ) عطف على تمحض ( قوله : قاله الإمام إلخ ) ، وفي زيادة الروضة في باب الأضحية ما يقتضي ترجيحه ا هـ . مغني

                                                                                                                              ( قوله : وهو المعتمد ) خلافا لظاهر صنيع النهاية ( قوله : إلى تمامه ) أي : الذبح بقطع الحلقوم ، والمريء جميعا ( قوله : وسيأتي ) أي : في شرح ، وأن يحد شفرته ( قوله : ومحله إن لم يكن بتأنيه إلخ ) يفيد أنه مع التأني لا بد من قطع الجميع قبل الانتهاء لحركة مذبوح ، وأوضح من ذلك في [ ص: 323 ] هذا ما يأتي في شرح ، وإلا فلا من قوله : نعم لو تأنى إلخ ا هـ . سم ( قوله : وخرج ) إلى قوله : فعلم في النهاية ( قوله : خطف رأس ) لعصفور ، أو غيره ، وقوله : بنحو بندقة كيده أي : فإنه ميتة نهاية ، ومغني

                                                                                                                              ( قوله : وقد مر ) أي : في أول الباب ( قوله : وبكل ذلك ) أي : كل الحلقوم ، والمريء ( قوله : بعضه إلخ ) عبارة النهاية ما لو قطع بعضه ، وانتهى إلخ . ( قوله : ثم قطع الباقي ) فيه إشارة إلى أنه قطع البعض الأول ، ثم تراخى قطعه للثاني بخلاف ما لو رفع يده بالسكين ، وأعادها فورا ، أو سقطت من يده فأخذها ، وتمم الذبح ، فإنه يحل كما صرح به ابن حجر ، وقولنا : وأعادها فورا من ذلك قلب السكين لقطع باقي الحلقوم ، والمريء ، أو تركها لعدم حدتها ، أو أخذ غيرها فورا فلا يضر ا هـ . ع ش ، وعبارة سم قوله : ثم قطع الباقي أي : بعد ترك القطع لا مع تواليه أيضا أخذا مما تقدم عن الإمام ، ومن التعبير بثم ا هـ . ( قوله : قبل رفع الأول يده ) يحتمل ، أو بعد الرفع على الفور أخذا من قوله : الآتي آنفا ، أو يحمل على ما إلخ أو مع وجود الحياة المستقرة ا هـ . سم

                                                                                                                              ( قوله : سواء أوجدت الحياة إلخ ) فعلم الفرق بين الذبح بالكال ، والثاني فتأمله ، وسيأتي في شرح ، وأن يحد شفرته ما ينبه في هامشه على مخالفته لهذا عند عدم الحياة المستقرة عند شروع الثاني ا هـ . سم ( قوله : لنحو اضطرابها ) أي : كاضطراب الحيوان ، وسقوط السكين من يده ( قوله : فأعادها فورا ) ظاهره ، وإن لم تبق حياة مستقرة ، ويدل عليه ، أو يصرح به قوله : ولا ينافي ذلك قولهم إلخ فتأمل ا هـ . سم

                                                                                                                              ( قوله : ولا ينافي ذلك إلخ ) أي : ما في كلام غير واحد من عدم اشتراط بقاء الحياة المستقرة حين شروع الثاني قولهم : لو قطع البعض إلخ أي : المفيد لاشتراط بقائها حين شروع الثاني ( قوله : ؛ لأن هذا إلخ ) علة لعدم المنافاة ، والمشار إليه قولهم : لو قطع إلخ ( قوله : فأول الذبح ) أي : الشرعي ( قوله : وكذا ) أي : لا ينافي ذلك ( قوله : على ذلك ) أي : مقابل كلام الإمام ( قوله : ويؤيده ) أي : الحمل المذكور ( قوله : وأيده ) أي : الحمل ، ويحتمل الإفتاء ( قوله : فيقع ) أي : الطعن ( قوله : جانبا ) أي : من الحلقوم

                                                                                                                              ( قوله : ومر ) أي : أول الباب أن الجنين إلخ أي : فهو مستثنى مما هنا عبارة المغني ، وقد يدخل في قوله : قدر عليه ما إذا خرج بعض الجنين ، وفيه حياة مستقرة لكن صحح في زيادة الروضة حله ، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في باب الأطعمة ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية