( طهارة الغسل ، والتيمم ، والحدثان الأصغر والأكبر ) ولما فرغ من طهارة الوضوء بين ، فقال : ( طهارة الغسل وإن كنتم جنبا فاطهروا ) أي إذا قمتم إلى الصلاة ، وكنتم جنبا فتطهروا لها طهورا كاملا بأن تغتسلوا ، " فاطهروا " أمر بالعناية بالطهارة ، والاستقصاء فيها ، وذلك لا يكون إلا بغسل البدن كله ، والدليل على إرادة الغسل [ ص: 209 ] بها ، قوله تعالى في آية التيمم : ( لا تقربوا الصلاة ، وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ، ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) ( 4 : 34 ) ، والجنابة الموجبة للغسل معروفة عند جميع المسلمين ، وقد بينا في تفسير آية التيمم ( ص 94 ج5 تفسير من مطبوع الهيئة ) أن لفظ " جنب " استعمل استعمال المصادر في الوصفية ; فيطلق على الفرد والاثنين والجمع ، والمذكر والمؤنث ، وأن المختار اشتقاقه من الجنب ، بالفتح ، بمعنى الجانب ، فهو كناية عن المضاجعة المراد بها الوقاع على سنة القرآن في الكناية عما يستقبح التصريح به ، وفي معنى الوقاع خروج المني ، وهو لازم له عادة ; فهو جنابة شرعا ، وفي الحديث : " " رواه إنما الماء من الماء مسلم من حديث ; أي إنما يجب ماء الغسل من الماء الدافق الذي يخرج من الإنسان مهما كان سبب خروجه ، وسيأتي بيان ذلك في الكلام على حكمة الغسل ، ولم يختلف المسلمون في هذا ، واختلفوا في الوقاع بدونه ، فقال بعضهم لا يجب الغسل به ، واحتجوا بهذا الحديث ، وحديث أبي سعيد الخدري عثمان الناطق بأنه لا يجب به إلا الوضوء ، هو معارض بحديث الناطق بوجوب الغسل في هذه الحال ، وهو في الصحيحين ، وصرح فيه أبي هريرة مسلم بكلمة " " وبظاهر الآية ، وعليه الجمهور ، ولا حاجة إلى إطالة الشرح في هذه المسألة ; إذ لا خلاف فيها اليوم ولا أهواء ، واختلفوا في المني إذا خرج بغير شهوة ; لعلة ما ، فإذا خرجت بقية منه بعد الغسل ، مما خرج شهوة ، فعدم وجوب الغسل منها ظاهر جدا . وإن لم ينزل
ولما بين وجوب الطهارتين ، وكان مقتضاهما أن المسلم لا بد له من طهارة الوضوء كل يوم مرة أو أكثر من مرة في الغالب ، ولا بد له من الغسل في كل أسبوع أو كل شهر مرة ، أو عدة مرار في الغالب - بين الرخصة في تركهما عند المشقة أو العجز ; لأن الدين يسر لا حرج فيه ، فقال عز وجل : ( وإن كنتم مرضى ) مرضا جلديا ; كالجدري ، والجرب ، وغير ذلك من القروح والجروح ، أو أي مرض يضر استعمال الماء فيه ، أو يشق عليكم ( أو على سفر ) طويل أو قصير مهما كان سببه ، فالعبرة بما يسمى سفرا عرفا ، ومن شأن السفر أن يشق الوضوء والغسل فيه ( أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء ) الغائط : المكان المنخفض من الأرض ، وهو كناية عن قضاء الحاجة من بول وغائط ، وصار حقيقة شرعية في هذا الحدث ، وعرفية في الرجيع الذي يخرج من الدبر . وملامسة النساء : هي المباشرة المشتركة بين الرجال وبينهن ، كل من التعبيرين كناية على سنة القرآن في النزاهة ; كالتعبير بالجنابة هنا ، وبالمباشرة في سورة البقرة ، والمراد : أو أحدثتم الحدث الموجب للوضوء عند إرادة الصلاة ونحوها كالطواف - ويسمى الحدث الأصغر أو الحدث الموجب للغسل ، ويسمى الحدث الأكبر - فلم تجدوا ماء تتطهرون به ; أي إذا كنتم على حال من هذه الأحوال الثلاث : المرض ، أو السفر [ ص: 210 ] أو فقد الماء عند الحاجة إليه لإحدى الطهارتين ( فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ) أي فاقصدوا ترابا ، أو مكانا من وجه الأرض طاهرا ، لا نجاسة عليه ، فاضربوا بأيديكم عليه ، وألصقوها بوجوهكم وأيديكم إلى الرسغين ، بحيث يصيبها أثر منه ، وقد شرحنا آية التيمم في تفسير سورة النساء ، وقفينا على تفسيرها بعشر مسائل في بيان معنى التيمم اللغوي والشرعي ، ومحله الذي بينته السنة الصحيحة ، وكونه ضربة واحدة للوجه واليدين ولا ترتيب فيه ، ومعنى الصعيد وما ورد فيه ، وكون المسافر والمقيم فيه سواء إذا فقد الماء ، وكون الصلاة به مجزئة لا تجب إعادتها ، وبحث تيمم المسافر مع وجود الماء ، وبحث التيمم من البرد والجرح ، وكونه كالوضوء في الوقت وقبله ، وفي استباحة عدة صلوات به ، والمسألة العاشرة في بيان حكمة التيمم ، فمن شاء فليراجع هذه المسائل في الجزء الخامس من التفسير ( ص 100 - 110 من مطبوع الهيئة ) .