الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          واذكروا اسم الله عليه الظاهر المتبادر من هذا الأمر : اذكروا اسم الله على ما أمسكت عليكم جوارحكم من الصيد عند أكله ، والمشهور أن المراد به التسمية عند إرسال الكلب [ ص: 146 ] ونحوه أخذا من حديث عدي بن حاتم إذا أرسلت كلبك وسميت ، فأخذ فقتل فكل وفي رواية : فإن وجدت مع كلبك كلبا غيره ، وقد قتل فلا تأكل ; فإنك لا تدري أيهما قتله وفي رواية : فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره ، وقد يقال : إن هذا لم يرد في تفسير الآية ، فهو حكم قد ثبت بالسنة على رأي من يقول : إن الأحكام تثبت بها ، وإن لم يكن لها أصل في الكتاب ، أو هو مأخوذ من آية أخرى كظاهر : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ( 6 : 121 ) أو يقال : إن التسمية عند إرسال الكلب سنة .

                          وقد اختلف العلماء في حكم التسمية ; إذ ليس فيها نص صريح أجمع السلف عليه . روى ابن جرير عن ابن عباس أنه قال في تفسير الآية هنا : إذا أرسلت جوارحك ، فقل بسم الله ، وإن نسيت ، فلا حرج . فهو يرى أن التسمية عند إرسال الكلب سنة ، وقد روي ذلك عن أبي هريرة أيضا ، وتقدم عن طاوس ، وروى البخاري والنسائي وابن ماجه من حديث عائشة ، أن قوما قالوا : يا رسول الله ، إن قوما يأتوننا باللحم ، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ؟ فقال : " سموا عليه أنتم وكلوا " قال : وكانوا حديثي عهد بالكفر . وهذا يؤيد ما قلناه قبل من أن ظاهر الآية طلب التسمية عند الأكل ، وأما فقهاء الأمصار فقد قال الشافعي منهم بأن التسمية على الذبيحة مستحبة ، لا واجبة ولا شرط ، وقال أبو حنيفة ومالك ، وأحمد في المشهور عنه : هي واجبة ، وتسقط مع السهو والنسيان ، وفي رواية عن أحمد أنها تجب مطلقا . والعمدة في هذا الباب آية الأنعام ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ( 6 : 121 ) فقد ذهب بعض مفسري الأثر إلى أن المراد به ما ذبح لغير الله ، وذهب آخرون إلى أنه عام في جميع الذبائح ، قال ابن جرير بعد ذكر الروايات في الآية : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله عنى بذلك : ما ذبح للأصنام والآلهة ، أو ما مات ، أو ذبحه من لا تحل ذبيحته ، وأما من قال عنى بذلك ما ذبحه المسلم فنسي ذكر اسم الله - فقول بعيد من الصواب ; لشذوذه ، وخروجه عما عليه الحجة مجمعة من تحليله ، وكفى بذلك شاهدا على فساده ، وقد بينا فساده من جهة القياس في كتابنا المسمى " لطيف القول في أحكام شرائع الدين " فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع ، وأما قوله : وإنه لفسق فإنه يعني أن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه من الميتة وما أهل به لغير الله لفسق . اهـ . وخصه بعض الشافعية بما أهل به لغير الله ، وجعل الجملة حالية أخذا من قوله ، تعالى : أو فسقا أهل لغير الله به ( 6 : 145 ) وهذا هو المختار عندنا ، وسنعود إلى هذا المبحث في سورة الأنعام إن شاء الله تعالى .

                          واتقوا الله إن الله سريع الحساب أي واتقوا الله أيها المؤمنون فيما أمركم به بأن تأتمروا به ، وفيما نهاكم عنه بأن تنتهوا عنه ، إن الله سريع الحساب ; لأن سنته في الجزاء على الأعمال أنه أثر طبيعي لها ، لا يتخلف عنها ، فاعلموا أنه لا يضيع شيئا من أعمالكم ، بل تحاسبون وتجازون [ ص: 147 ] عليها في الدنيا والآخرة ، وهو يحاسب الناس كلهم يوم القيامة في وقت واحد ، فأجدر بحسابه أن يكون سريعا ، وقد تقدم تفسير هذه الجملة في سورة البقرة فليرجع إليه من شاء .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية