nindex.php?page=treesubj&link=18627مثل من يربي القرآن
ومثل من يربي القرآن كمثل رجل آوى يتيما إلى منزله وكفله وكساه وأطعمه وسقاه ونزهه ونقاه ووقاه من الآفات والأدناس وجعل حجره له حواء فهو يغسله بيده وينقيه كما لولده ويرشفه ويقوم عليه في جميع أحواله
[ ص: 59 ] فلا يزال دأبه معه يتربى هذا اليتيم في حجره إلى أن يدرك فإذا أدرك فعرف تربيته فشكر له وقام له بالبنوة يحمي عنه في كل مكان ويذب عنه ويدفع عنه ويربيه في وقت ضعفه وكبر سنه وآخر رام تربية هذا اليتيم فأدخله بيته ساعة من نهار فأعطاه كسرة خبز وشيئا من عنب ثم أخذ بيده وأقامه على قارعة الطريق فإذا أدرك هذا اليتيم مدرك الرجال قل ما يلتفت إلى هذا وإنما يعرف له بقدر ما رأى من تلك الكسرات والعناقيد
فكذا من قرأ كلام الله عز وجل في كل يوم وردا أو جزءا ثم وضعه في ناحية من بيت ولم يقم بين يديه فالقرآن في زماننا كاليتيم الذي ليس له مأوى ملقى على قارعة الطريق لا يؤبه به ولا يتكفل أحد بتربيته فالمحسن من أهل هذا الزمان كمن أدخل اليتيم في بيته ساعة فأطعمه شيئا وسقاه ثم أعرض عنه وترك كفالته
فالقرآن إنما يلج صدورا طاهرة نقية فإذا لم يجد تلك الصدور فهو كاليتيم الذي لا يجد كفيلا ولا مأوى وقد قال جل ذكره
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=15يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون [ ص: 60 ] من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين
قال كتاب مبين من الله الحروف المؤلفة التي تضمنت المعاني .والنور كسوة تلك الحروف أهداها رب العزة إلى هذه الأمة قد تضمنها الوحي حتى أوصلها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وتلقتها الأذهان والعقول وأخذتها منه قال جل ذكره
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=48وإنه لتذكرة للمتقين فالتذكرة كدفتر حساب يرجع إليه في كل يوم وساعة إذا أصبح ينظر فيه فيدبر أمره من التذكرة مما أحكمه ورده إلى الديوان الأكبر الذي فيه جملة حساب تجارته فالمتقي ينظر فيه كل يوم يتدبر أمره فيه ومنه ويقابل أموره مما أمر الله فيه ويسويه ويتلافى ما ضاع منه وما قصر فيه ثم يؤديه إلى ديوان الله عز وجل وهو اللوح المحفوظ
ثم قال
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=50وإنه لحسرة على الكافرين
فإذا رأى الكافر ما يصنع القرآن بأهله من الثناء عليهم بين يدي الله عز وجل ونظر إلى كرامة الله على أهل القرآن صار ذلك كله حسرة عليه وتقطع قلبه حسرات
[ ص: 61 ] ثم قال
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=51وإنه لحق اليقين أي هذا القرآن من حق اليقين أي كما أعطيتكم من نور المعرفة فاستقرت قلوبكم وأيقنت بربوبيتي وبوحدانيتي فاطمأنت نفوسكم بي وآمنت كان من حق ذلك اليقين علينا أن أنزل كلامي إليكم لتسكن به تلك الصدور التي استقر اليقين في تلك القلوب فيها ويجاوره بأحسن المجاورة فهذا حقه ويساكته في مستقره فاليقين في القلب وكلامي في الصدور وهو ساحة اليقين فذلك حق اليقين
nindex.php?page=treesubj&link=18627مَثَلُ مَنْ يُرَبِّي الْقُرْآنَ
وَمَثَلُ مَنْ يُرَبِّي الْقُرْآنَ كَمَثَلِ رَجُلٍ آوَى يَتِيمًا إِلَى مَنْزِلِهِ وَكَفَلَهُ وَكَسَاهُ وَأَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ وَنَزَّهَهُ وَنَقَّاهُ وَوَقَاهُ مِنَ الْآفَاتِ وَالْأَدْنَاسِ وَجَعَلَ حِجْرَهُ لَهُ حَوَّاءَ فَهُوَ يَغْسِلُهُ بِيَدِهِ وَيُنَقِّيهِ كَمَا لِوَلَدِهِ وَيَرْشُفُهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ
[ ص: 59 ] فَلَا يَزَالُ دَأْبُهُ مَعَهُ يَتَرَبَّى هَذَا الْيَتِيمُ فِي حِجْرِهِ إِلَى أَنْ يُدْرِكَ فَإِذَا أَدْرَكَ فَعَرَفَ تَرْبِيَتَهُ فَشَكَرَ لَهُ وَقَامَ لَهُ بِالْبُنُوَّةِ يَحْمِي عَنْهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَيَذُبُّ عَنْهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ وَيُرَبِّيهِ فِي وَقْتِ ضَعْفِهِ وَكِبَرِ سِنِّهِ وَآخَرُ رَامَ تَرْبِيَةَ هَذَا الْيَتِيمِ فَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَأَعْطَاهُ كِسْرَةَ خُبْزٍ وَشَيْئًا مِنْ عِنَبٍ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ وَأَقَامَهُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَإِذَا أَدْرَكَ هَذَا الْيَتِيمُ مُدْرِكَ الرِّجَالِ قَلَّ مَا يَلْتَفِتُ إِلَى هَذَا وَإِنَّمَا يُعْرَفُ لَهُ بِقَدْرِ مَا رَأَى مِنْ تِلْكَ الْكِسْرَاتِ وَالْعَنَاقِيدِ
فَكَذَا مَنْ قَرَأَ كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجُلَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَرْدًا أَوْ جُزْءًا ثُمَّ وَضَعَهُ فِي نَاحِيَةٍ مَنْ بَيْتٍ وَلَمْ يَقُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَالْقُرْآنُ فِي زَمَانِنَا كَالْيَتِيمِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَأْوًى مُلْقًى عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ لَا يُؤْبَهُ بِهِ وَلَا يَتَكَفَّلُ أَحَدٌ بِتَرْبِيَتِهِ فَالْمُحْسِنُ مِنْ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ كَمَنْ أَدْخَلَ الْيَتِيمَ فِي بَيْتِهِ سَاعَةً فَأَطْعَمَهُ شَيْئًا وَسَقَاهُ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ وَتَرَكَ كَفَالَتَهُ
فَالْقُرْآنُ إِنَّمَا يَلِجُ صُدُورًا طَاهِرَةً نَقِيَّةً فَإِذَا لَمْ يَجِدْ تِلْكَ الصُّدُورَ فَهُوَ كَالْيَتِيمِ الَّذِي لَا يَجِدُ كَفِيلًا وَلَا مَأْوًى وَقَدْ قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=15يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ [ ص: 60 ] مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ
قَالَ كِتَابٌ مُبِينٌ مِنَ اللَّهِ الْحُرُوفُ الْمُؤَلَّفَةُ الَّتِي تَضَمَّنَتِ الْمَعَانِيَ .وَالنُّورُ كُسْوَةُ تِلْكَ الْحُرُوفِ أَهْدَاهَا رَبُّ الْعِزَّةِ إِلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ تَضَمَّنَهَا الْوَحْيُ حَتَّى أَوْصَلَهَا إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَلَقَّتْهَا الْأَذْهَانُ وَالْعُقُولُ وَأَخَذَتْهَا مِنْهُ قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=48وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ فَالتَّذْكِرَةُ كَدَفْتَرِ حِسَابٍ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَسَاعَةٍ إِذَا أَصْبَحَ يَنْظُرُ فِيهِ فَيُدَبِّرُ أَمْرَهُ مِنَ التَّذْكِرَةِ مِمَّا أَحْكَمَهُ وَرَدَّهُ إِلَى الدِّيوَانِ الْأَكْبَرِ الَّذِي فِيهِ جُمْلَةُ حِسَابِ تِجَارَتِهِ فَالْمُتَّقِي يَنْظُرُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ يَتَدَبَّرُ أَمْرَهُ فِيهِ وَمِنْهُ وَيُقَابِلُ أُمُورَهُ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ فِيهِ وَيُسَوِّيهِ وَيَتَلَافَى مَا ضَاعَ مِنْهُ وَمَا قَصَّرَ فِيهِ ثُمَّ يُؤَدِّيهِ إِلَى دِيوَانِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ
ثُمَّ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=50وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ
فَإِذَا رَأَى الْكَافِرُ مَا يَصْنَعُ الْقُرْآنُ بِأَهْلِهِ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَظَرَ إِلَى كَرَامَةِ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ الْقُرْآنِ صَارَ ذَلِكَ كُلُّهُ حَسْرَةً عَلَيْهِ وَتَقَطَّعَ قَلْبُهُ حَسَرَاتٍ
[ ص: 61 ] ثُمَّ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=51وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ أَيْ هَذَا الْقُرْآنُ مِنْ حَقِّ الْيَقِينِ أَيْ كَمَا أَعْطَيْتُكُمْ مِنْ نُورِ الْمَعْرِفَةِ فَاسْتَقَرَّتْ قُلُوبُكُمْ وَأَيْقَنَتْ بِرُبُوبِيَّتِي وَبِوَحْدَانِيَّتِي فَاطْمَأَنَّتْ نُفُوسُكُمْ بِي وَآمَنَتْ كَانَ مِنْ حَقِّ ذَلِكَ الْيَقِينِ عَلَيْنَا أَنْ أُنْزِلَ كَلَامِي إِلَيْكُمْ لِتَسْكُنَ بِهِ تِلْكَ الصُّدُورُ الَّتِي اسْتَقَرَّ الْيَقِينُ فِي تِلْكَ الْقُلُوبِ فِيهَا وَيُجَاوِرُهُ بِأَحْسَنِ الْمُجَاوَرَةِ فَهَذَا حَقُّهُ وَيُسَاكِتُهُ فِي مُسْتَقَرِّهِ فَالْيَقِينُ فِي الْقَلْبِ وَكَلَامِي فِي الصُّدُورِ وَهُوَ سَاحَةُ الْيَقِينِ فَذَلِكَ حَقُّ الْيَقِينِ