وإذا لم يلزمه غرم ذلك إذا خرجوا ; لأنهم لو فعلوا ذلك به لم يلزمهم غرم فكذلك إذا فعل بهم ، وهذا لأنهم غير ملتزمين أحكام الإسلام في دار الحرب حيث جرى ذلك بينهم ، وأكره للمسلم المستأمن إليهم في دينه أن يغدر بهم ; لأن الغدر حرام قال صلى الله عليه وسلم { قتل المسلم المستأمن في دار الحرب إنسانا منهم أو استهلك ماله لكل غادر لواء يركز عند باب استه يوم القيامة يعرف به غدرته } ، فإن غدر بهم وأخذ مالهم وأخرجه إلى دار الإسلام كرهت للمسلم شراءه منه إذا علم ذلك ; لأنه حصله بكسب خبيث ، وفي الشراء منه إغراء له على مثل هذا السبب ، وهو مكروه للمسلم ، والأصل فيه حديث رضي الله عنه حين قتل أصحابه ، وجاء بمالهم إلى المغيرة بن شعبة المدينة فأسلم ، وطلب من رسول [ ص: 97 ] الله صلى الله عليه وسلم أن يخمس ماله فقال { } ; لأنه صار مالكا للمال بالإحراز . أما إسلامك فمقبول ، وأما مالك فمال غدر فلا حاجة لنا فيه ، فإن اشتراه أجزته
والنهي عن الشراء منه ليس لمعنى في عين الشراء فلا يمنع جوازه ، وإن كانت جارية كرهت للمشتري أن يطأها ; لأنه قائم فيها مقام البائع ، وكان يكره للبائع وطؤها فكذلك للمشتري ، وهذا بخلاف المشتراة شراء فاسدا إذا باعها المشتري جاز للثاني وطؤها بعد الاستبراء ; لأن الكراهة في حق الأول لبقاء حق البائع في الاسترداد ، وقد زال ذلك بالبيع الثاني ، وههنا الكراهة لمعنى الغدر وكونه مأمورا بردها عليهم دينا ، وهذا المعنى في حق الثاني كهو في حق الأول ، فإن أصاب أهل هذه الدار سبايا من غيرهم من أهل الحرب ، وسع هذا المسلم أن يشتريها منهم ; لأنهم ملكوا ذلك بالإحراز بمنعتهم ، فإنهم نهبة يملك بعضهم على بعض نفسه ، وماله بالإحراز فحل للمستأمن إليهم شراء ذلك منهم كسائر أموالهم ، وكذلك إن سبي أهل الدار التي هو فيها جاز له أن يشتريهم من السابين ; لأنهم ملكوهم بالإحراز ، وقد كانوا على أصل الإباحة في حقه إنما كان الواجب عليه أن لا يغدر بهم ، وليس ذلك من الغدر في شيء ، وكذلك لو أن المسلمين وادعوا قوما من أهل الحرب ثم أغار عليهم قوم آخرون أهل حرب لهم فلهذا المسلم أن يشتري السبي منهم ; لأنهم بالموادعة ما خرجوا من أن يكونوا أهل حرب ، ولكن علينا أن لا نغدر بهم ، وقد صاروا مملوكين للسابي بالإحراز فيجوز شراؤه منهم كسائر الأموال ، وإن كان الذين سبوهم قوم من المسلمين غدروا بأهل الموادعة لم يسع المسلمون أن يشتروا من ذلك السبي ، وإن اشتروا رددت البيع ; لأنهم كانوا في أمان من المسلمين فإن أمان بعض المسلمين كأمان الجماعة ، ولا يملك المسلمون رقاب المستأمنين وأموالهم بالإحراز ، وهذا بخلاف ما لو كان دخل إليهم رجل بأمان ثم استولى عليهم المسلمون ; لأن هناك المسلم ما أمنهم ، ولكنهم أمنوه ، وكيف يقال قد أمنهم ، وهو مقهور غير ممتنع منهم فلهذا حل للمسلمين سبيهم ، وههنا هم في أمان من المسلمين ; لأنه أمنهم من له منعة من المسلمين .