الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وعن الحكم أن أبا بكر رضي الله عنهما كتب إليه في أسيرين من الروم أن لا تفادوهما وإن أعطيتم بهما مدين من الذهب ، ولكن اقتلوهما أو يسلما ، ففيه دليل أنه لا يجوز مفاداة الأسير بالمال كما هو المذهب عندنا بخلاف ما يقوله الشافعي رحمه الله وقد صح { أن النبي صلى الله عليه وسلم فادى الأسرى يوم بدر ، وكان الفداء أربعة آلاف } ، إلا أنه انتسخ ذلك بنزول قوله تعالى { ما كان لنبي أن يكون له أسرى } إلى قوله { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } .

وقد كان أبو بكر رضي الله عنه قد أشار عليه بالفداء وعمر رضي الله عنه كان يشير بالقتل ، فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رأي أبي بكر رضي الله عنه لحاجة الصحابة رضي الله عنهم إلى المال في ذلك الوقت ، وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { لو نزل من السماء عذاب ما نجي من ذلك إلا عمر ، } فلهذا بالغ أبو بكر رضي الله عنه في النهي عن المفاداة بقوله : ولو أعطيتم بهما مدين من ذهب ففيه دليل على أن الأسير يقتل إن لم يسلم ، وممن قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسارى بدر عقبة بن أبي معيط { قال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : قدمه واضرب عنقه وأوف بنذر نبيك } { ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي عزة يوم بدر بشرط أن لا يعين عليه ، وكان شاعرا فوقع أسيرا يوم أحد وأمر بقتله ، وكان طلب أن يمن عليه فقال صلى الله عليه وسلم : لا تحدث العرب أني خدعت محمدا مرتين } ثم ذكر عن الحسن وعطاء رحمهما الله تعالى قال : لا يقتل الأسير ولكن يفادى أو يمن عليه ، وكأنهما اعتمدا ظاهر قوله تعالى { فإما منا بعد وإما فداء } ولسنا نأخذ بقولهما فإن حكم المن والمفاداة بالمال قد انتسخ بقوله تعالى { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } ; لأن سورة [ ص: 25 ] براءة من آخر ما نزل ، وذكر في بعض النوادر عن محمد رحمه الله تعالى قال : كان ذلك في عبدة الأوثان من العرب لأنه لا يجوز استرقاقهم ، فلم يكن في المن والمفاداة إبطال حق المسلمين عما ثبت حقهم فيه ، ولكن هذا ضعيف والصحيح ما بينا أن حكم المن والمفاداة قد انتسخ ولا يجوز للإمام أن يفعل ذلك إلا إذا عرف للمسلمين فيه منفعة عامة كما روي { أن ثمامة بن أثال الحنفي سيد أهل اليمامة أسره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وربطوه بسارية المسجد فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ما وراءك يا ثمامة فقال : إن عاقبت عاقبت ذا ذنب وإن مننت مننت على شاكر وإن أردت المال فعندي من المال ما شئت فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرط أن يقطع الميرة عن أهل مكة ففعل ذلك حتى قحطوا } .

التالي السابق


الخدمات العلمية