الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فإن صار ذمة ثم وقفت منه على أنه يخبر المشركين بعورة المسلمين ، ويقري عيونهم لم يكن هذا منه نقضا للعهد ، ولكن يعاقب [ ص: 86 ] على هذا ويحبس ، وقال مالك رحمه الله تعالى هو ناقض للعهد بما صنع فيقتل ، وكذلك إن كان لا يزال يغتال رجلا من المسلمين فيقتله أو يفعل ذلك أهل أرضه لم يكن هذا نقضا للعهد عندنا ، وقال مالك رحمه الله تعالى هو نقض ; لأنه خلاف موجب العقد ، فإن الذمي من ينقاد لحكم الإسلام في المعاملات ، ويكون مقهورا في دار الإسلام تحت يد المسلمين ، ومباشرة ما كان يخالف موجب العقد يكون نقضا للعهد ، ولكنا نقول لو فعل هذا مسلم لم يكن به ناقضا لإيمانه فكذلك إذا فعله ذمي لا يكون ناقضا لأمانه ، والأصل فيه حديث حاطب بن أبي بلتعة ، وفيه نزل قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي ، وعدوكم أولياء } ، وقصته فيما صنع معروفة في المغازي ، وقد سماه الله تعالى مؤمنا مع ذلك ، وحديث أبي لبابة بن المنذر ، وفيه نزل قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله ، والرسول } ، وقصته فيما أخبر به بني قريظة معروفة ، وقد سماه الله مؤمنا فعرفنا أن مثل هذا لا يكون نقضا للإيمان ، ولا للذمة ، ولكن من ثبت عليه القتل بالبينة يقتص منه ، فإن لم يعرف القاتل ، ووجد القتيل في قرية من قراهم ففيه القسامة ، والدية كما { قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتيل الموجود بخيبر } فيحلف الملك خمسين يمينا بالله ما قتلت ، ولا عرفت قاتله ثم يغرم الدية ، ولا يحلف بقية أهل مملكته ; لأنهم عبيده ، والعبيد لا يزاحمون الأحرار في القسامة ، والدية ، فإن كانوا أحرارا فعليهم القسامة ، والدية ; لأنهم يساوونه في الحرية ، والسكنى في القرية فيشاركونه في القسامة ، والدية .

التالي السابق


الخدمات العلمية