فصل
( وقام علبة بن زيد فصلى من الليل وبكى وقال : اللهم إنك قد أمرت [ ص: 463 ] بالجهاد ورغبت فيه ، ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به مع رسولك ، ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه ، وإني ، ثم أصبح مع الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أين المتصدق هذه الليلة ؟ فلم يقم إليه أحد ، ثم قال : أين المتصدق فليقم ؟ فقام إليه فأخبره ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أبشر ، فوالذي نفس أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال أو جسد أو عرض محمد بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة )
وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم فلم يعذرهم ، قال ابن سعد : وهم اثنان وثمانون رجلا ، وكان عبد الله بن أبي ابن سلول قد عسكر على ثنية الوداع في حلفائه من اليهود والمنافقين ، فكان يقال : ليس عسكره بأقل العسكرين ، واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة ، وقال محمد بن مسلمة الأنصاري ابن هشام : سباع بن عرفظة ، والأول أثبت
فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عبد الله بن أبي ومن كان معه ، وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب ، منهم ، كعب بن مالك وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع ، وأبو خيثمة السالمي ، وأبو ذر ، ثم لحقه أبو خيثمة وأبو ذر .
وشهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين ألفا من الناس ، والخيل عشرة آلاف فرس ، وأقام بها عشرين ليلة يقصر الصلاة ، وهرقل يومئذ بحمص
قال : ولما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج خلف ابن إسحاق على أهله ، فأرجف به علي بن أبي طالب المنافقون وقالوا : ما خلفه إلا استثقالا وتخففا منه ، فأخذ علي رضي الله عنه سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف ، فقال : يا نبي الله زعم المنافقون أنك إنما خلفتني لأنك استثقلتني [ ص: 464 ] وتخففت مني ، فقال : كذبوا ، ولكني خلفتك لما تركت ورائي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، أفلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، فرجع علي إلى المدينة
( ثم إن أبا خيثمة رجع بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما إلى أهله في يوم حار ، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه قد رشت كل واحدة منهما عريشها ، وبردت له ماء ، وهيأت له فيه طعاما ، فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والريح والحر وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء في ماله مقيم ، ما هذا بالنصف ، ثم قال : والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهيئا لي زادا ، ففعلتا ، ثم قدم ناضحه فارتحله ، ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل تبوك ، وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا ، حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب : إن لي ذنبا فلا عليك أن تتخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففعل حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك قال الناس : هذا راكب على الطريق مقبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كن أبا خيثمة ، قالوا : يا رسول الله هو والله ، فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولى لك يا أبو خيثمة أبا خيثمة ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ، ودعا له بخير )
[ ص: 465 ] (وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بالحجر بديار ثمود قال : لا تشربوا من مائها شيئا ، ولا تتوضئوا منه للصلاة ، وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ، ولا تأكلوا منه شيئا ، ولا يخرجن أحد منكم إلا ومعه صاحب له ، ففعل الناس إلا أن رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته ، وخرج الآخر في طلب بعيره ، فأما الذي خرج لحاجته فإنه خنق على مذهبه ، وأما الذي خرج في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيئ ، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألم أنهكم أن لا يخرج أحد منكم إلا ومعه صاحبه ؟ ثم دعا للذي خنق على مذهبه فشفي ، وأما الآخر فأهدته طيئ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة )
قلت : والذي في " صحيح " من حديث مسلم أبي حميد : انطلقنا حتى قدمنا تبوك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بجبلي طيئ ) ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقم منكم أحد ، فمن كان له بعير فليشد عقاله ، فهبت ريح شديدة ، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته
قال ابن هشام : بلغني عن أنه قال : لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزهري بالحجر سجى ثوبه على وجهه واستحث راحلته ثم قال : ( ) لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا أنفسهم إلا وأنتم باكون خوفا أن يصيبكم ما أصابهم
قلت : في " الصحيحين " من حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ابن عمر ) . لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا [ ص: 466 ] باكين فلا تدخلوا عليهم ، لا يصيبكم مثل ما أصابهم
وفي " صحيح " : أنه ( البخاري ) . أمرهم بإلقاء العجين وطرحه
وفي " صحيح " : ( مسلم ). أنه أمرهم أن يعلفوا الإبل العجين وأن يهريقوا الماء ، ويستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة
وقد رواه أيضا ، وقد حفظ راويه ما لم يحفظه من روى الطرح البخاري
وذكر أنه نادى فيهم : ( البيهقي ) الصلاة جامعة ، فلما اجتمعوا قال : علام تدخلون على قوم غضب الله عليهم ؟ " فناداه رجل فقال : نعجب منهم يا رسول الله ، فقال : ألا أنبئكم بما هو أعجب من ذلك ؟! رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وما هو كائن بعدكم ، استقيموا وسددوا ، فإن الله عز وجل لا يعبأ بعذابكم شيئا ، وسيأتي الله بقوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا