فصل
وفي هذه الغزوة أنه قال : ( ) وقاله في غزوة أخرى قبلها ، فاختلف الفقهاء ، هل هذا من قتل قتيلا ، له عليه بينة فله سلبه ؟ على قولين ، هما روايتان عن السلب مستحق بالشرع أو بالشرط أحمد .
[ ص: 429 ] أحدهما : أنه له بالشرع شرطه الإمام أو لم يشرطه ، وهو قول . الشافعي
والثاني : أنه لا يستحق إلا بشرط الإمام ، وهو قول . وقال أبي حنيفة مالك رحمه الله : لا يستحق إلا بشرط الإمام بعد القتال . فلو نص قبله لم يجز . قال مالك : ولم يبلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك إلا يوم حنين ، وإنما نفل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن برد القتال .
ومأخذ النزاع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان هو الإمام والحاكم والمفتي وهو الرسول ، فقد يقول الحكم بمنصب الرسالة فيكون شرعا عاما إلى يوم القيامة كقوله : ( ) . من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد
وقوله : ( ، وكحكمه بالشاهد واليمين وبالشفعة فيما لم يقسم ) . من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء ، وله نفقته
وقد يقول بمنصب الفتوى ، كقوله لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان ، وقد خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ) فهذه فتيا لا حكم ، إذ لم يدع شكت إليه شح زوجها ، وأنه لا يعطيها ما يكفيها : ( بأبي سفيان ولم يسأله عن جواب الدعوى ، ولا سألها البينة .
وقد يقوله بمنصب الإمامة ، فيكون مصلحة للأمة في ذلك الوقت وذلك المكان ، وعلى تلك الحال فيلزم من بعده من الأئمة مراعاة ذلك على حسب المصلحة التي راعاها النبي - صلى الله عليه وسلم - زمانا ومكانا وحالا ، ومن هاهنا تختلف الأئمة في [ ص: 430 ] كثير من المواضع التي فيها أثر عنه - صلى الله عليه وسلم - ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ) هل قاله بمنصب الإمامة ، فيكون حكمه متعلقا بالأئمة ، أو بمنصب الرسالة والنبوة فيكون شرعا عاما ؟ من قتل قتيلا فله سلبه
وكذلك قوله : ( من أحيا أرضا ميتة فهي له ) هل هو شرع عام لكل أحد ، أذن فيه الإمام أو لم يأذن ، أو هو راجع إلى الأئمة ، فلا يملك بالإحياء إلا بإذن الإمام ؟ على القولين ، فالأول للشافعي وأحمد في ظاهر مذهبهما .
والثاني : ، وفرق لأبي حنيفة مالك بين الفلوات الواسعة ، وما لا يتشاح فيه الناس ، وبين ما يقع فيه التشاح ، فاعتبر إذن الإمام في الثاني دون الأول .