[ ص: 215 ] ذكر كيخسرو بن سياوخش بن كيكاووس
لما مات خبر كيكاووس ملك بعده ابن ابنه كيخسرو بن سياوخش بن كيكاووس وأمه وسفافريد ابنة أفراسياب ملك الترك ، فلما ملك كتب إلى الإصبهبذين جميعهم أن يأتوا بعساكرهم جميعها ، فلما اجتمعوا جهزوا ثلاثين ألفا معطوس ، وأمره بدخول بلاد الترك ، وأن لا يمر بقرية ولا مدينة لهم إلا قتل كل من فيها إلا مدينة من مدنهم كان بها أخ له اسمه فيروزد بن سياوخش ، كان أبوه قد تزوج أمه في بعض مدائن الترك ، فاجتاز طوس بها فجرى بينه وبين فيروزد حرب قتل فيها فيروزد ، فبلغ خبره كيخسرو فعظم عليه وكتب إلى عم له كان مع طوس يأمره بالقبض على طوس وإرساله مقيدا والقيام بأمر الجيش . ففعل ذلك وسار بالعسكر نحو أفراسياب ، فسير أفراسياب العساكر إليه فاقتتلوا قتالا شديدا كثرت فيه القتلى وانحازت الفرس إلى رءوس الجبال وعادوا إلى كيخسرو ، فوبخ عمه ولامه واهتم بغزو الترك ، فأمر بجمع العساكر جميعها وأن لا يختلف أحد ، فلما اجتمعوا أعلمهم أنه يريد قصد بلاد الترك من أربعة وجوه ، فسير جودرز في أعظم العساكر وأمره بالدخول إلى بلاد الترك مما يلي بلخ ، وأعطاه درفش كابيان ، وهو العلم الأكبر الذي لهم ، وكانوا لا يرسلونه إلا مع بعض أبناء الملوك لأمر عظيم ، وسير عسكرا آخر من ناحية الصين ، وسير عسكرا آخر مما يلي الخزر ، وعسكرا آخر بين هذين العسكرين ، فدخلت العساكر بلاد الترك من كل جهاتها وأخربتها ، لا سيما جودرز ، فإنه قتل وأخرب وسبى ، وتبعه كيخسرو بنفسه في طريقه ، فوصل إليه وقد قتل جماعة كثيرة من أهل أفراسياب وأثخن فيهم ، ورآه قد قتل خمسمائة ألف ونيفا وستين [ ص: 216 ] ألفا وأسر ثلاثين ألفا ، وغنم ما لا يحد ولا يحصى ، وعرض عليه من قتل من أهل أفراسياب وطراخنته ، فعظم جودرز عنده ، وشكره ، وقطعه أصبهان ، وجرجان ، ووردت عليه الكتب الواردة من عساكره الداخلة من تلك الوجوه إلى الترك بما قتلوا وغنموا ، وأخربوا وأنهم هزموا لأفراسياب عسكرا بعد عسكر ، فكتب إليهم أن يجدوا في محاربتهم ويوافوه بموضع سماه لهم .
فلما بلغ أفراسياب قتل من قتل من طراخنته ، وأهله ، وعساكره عظم ذلك عليه فسقط في يديه ، ولم يكن بقي عنده من أولاده غير ولده شيده ، فوجهه في جيش نحو كيخسرو ، فسار إليه فاقتتلوا قتالا شديدا أربعة أيام ثم انهزمت الترك وتبعهم الفرس يقتلونهم ويأسرون ، وأدركوا ابن أفراسياب فقتلوه ، وسمع أفراسياب بالحادثة وقتل ابنه ، فأقبل فيمن عنده من العساكر فلقي كيخسرو فاقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع بمثله ، واشتد الأمر فانهزم أفراسياب ، وكثر القتل في الترك فقتل منهم مائة ألف ، وجد كيخسرو في طلب أفراسياب ، ولم يزل يهرب من بلد إلى بلد حتى بلغ أذربيجان فاستتر ، وظفر به وأتي به إلى كيخسرو ، فلما حضر عنده سأله عن غدره بأبيه ، فلم يكن له حجة ولا عذر ، فأمر بقتله ، فذبح كما ذبح سياوخش ، ثم انصرف من أذربيجان مظفرا منصورا فرحا .
فلما قتل أفراسياب ملك الترك بعده أخوه كي سواسف ، فلما توفي ملك بعده ابنه جرازسف ، وكان جبارا عاتيا
فلما فرغ كيخسرو من الأخذ بثأر أبيه واستقر في ملكه زهد في الدنيا وترك الملك ، وتنسك ، واجتهد أهله ، وأصحابه به ليلازم الملك فلم يفعل ، فقالوا : فاعهد إلى من يقوم بالملك بعدك فعهد إلى لهراسب ، وفارقهم كيخسرو وغاب عنهم ، فلا يدرى ما كان منه ولا أين مات . وبعض يقول غير ذلك .
وكان ملكه ستين سنة ، وملك بعده لهراسب .