ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين
فيها كان مشتى عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي بأرض الروم .
وفيها فتحت رودس ، جزيرة في البحر ، فتحها ونزلها المسلمون وهم على حذر من جنادة بن أبي أمية الأزدي الروم ، وكانوا أشد شيء على الروم ، يعترضونهم في البحر فيأخذون سفنهم ، وكان معاوية يدر لهم العطاء ، وكان العدو قد خافهم . فلما توفي معاوية أقفلهم ابنه يزيد .
وقيل : فتحت سنة ستين .
ذكر زياد وفاة
وفي هذه السنة توفي ( زياد بن أبيه بالكوفة في شهر رمضان ) .
وكان سبب موته أنه كتب إلى معاوية : إني قد ضبطت العراق بشمالي ويميني فارغة فاشغلها بالحجاز . فكتب له عهده على الحجاز ، فبلغ أهل الحجاز فأتى نفر منهم فذكروا ذلك ، فقال : أدعو الله عليه ثم استقبل [ ص: 88 ] القبلة ودعا ودعوا معه ، ( وكان من دعائه أن قال : اللهم اكفنا شر زياد ) . فخرجت طاعونة على أصبع يمينه فمات منها . فلما حضرته الوفاة دعا عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال له : قد حدث ما ترى وقد أمرت بقطعها فأشر علي : فقال له شريحا القاضي شريح : إني أخشى أن يكون الأجل قد دنا فتلقى الله أجذم وقد قطعت يدك كراهية لقائه ، أو أن يكون في الأجل تأخير فتعيش أجذم وتعير ولدك : فقال : لا أبيت والطاعون في لحاف واحد ، فخرج شريح من عنده ، فسأله الناس ، فأخبرهم ، فلاموه وقالوا : هلا أشرت بقطعها ؟ فقال : المستشار مؤتمن .
وأراد زياد قطعها ، فلما نظر إلى النار والمكاوي جزع وتركه ، وقيل : بل تركه لما أشار عليه شريح بتركه ، ولما حضرته الوفاة قال له ابنه : قد هيأت لك ستين ثوبا أكفنك بها . فقال له : يا بني قد دنا من أبيك لباس هو خير من لباسه هذا أو سلب سريع ! فمات فدفن بالثوية إلى جانب الكوفة .
فلما بلغ موته قال : اذهب ابن عمر ابن سمية ، لا الآخرة أدركت ولا الدنيا بقيت عليك .
وكان مولده سنة إحدى من الهجرة ، قال مسكين الدارمي يرثيه :
رأيت زيادة الإسلام ولت جهارا حين ودعنا زياد
فقال يجيبه ، ولم يكن هجا الفرزدق زيادا حتى مات :أمسكين أبكى الله عينيك إنما جرى في ضلال دمعها فتحدرا
بكيت امرأ من أهل ميسان كافرا ككسرى على عدانه أو كقيصرا
أقول له لما أتاني نعيه به لا بظبي بالصريمة أعفرا
[ ص: 89 ] ذكر الربيع وفاة
وفيها مات الربيع بن زياد الحارثي عامل خراسان من قبل زياد .
وكان سبب موته أنه سخط قتل حتى إنه قال : لا تزال العرب تقتل صبرا بعده ، ولو نفرت عند قتله لم يقتل رجل منهم صبرا ، ولكنها أقرت فذلت : حجر بن عدي
ثم مكث بعد هذا الكلام جمعة ، ثم خرج يوم الجمعة فقال : أيها الناس إني قد مللت الحياة وإني داع بدعوة فأمنوا ! ثم رفع يديه بعد الصلاة فقال : اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك عاجلا ! وأمن الناس ، ثم خرج فما توارت ثيابه حتى سقط فحمل إلى بيته ، واستخلف ابنه عبد الله ومات من يومه ، ثم مات ابنه بعده بشهرين واستخلف خليد بن يربوع الحنفي ، فأقره زياد . ولما مات زياد كان على البصرة ، وكان على سمرة بن جندب الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد ، فأقر سمرة على البصرة ثمانية عشر شهرا ، وقيل : ستة أشهر ، ثم عزله معاوية ، فقال سمرة : لعن الله معاوية ! والله لو أطعت الله كما أطعته ما عذبني أبدا .
وجاء رجل إلى سمرة فأدى زكاة ماله ثم دخل المسجد فصلى ، فأمر سمرة بقتله فقتل ، فمر به أبو بكرة فقال : يقول الله تعالى : قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ، قال : وما مات سمرة حتى أخذه الزمهرير فمات شر ميتة .
( الثوية بضم الثاء المثلثة ، وفتح الواو والياء تحتها نقطتان : موضع فيه مقبرة ) .
ذكر عدة حوادث
حج بالناس هذه السنة ، وكان عامل سعيد بن العاص المدينة ، وخرجت هذه السنة وعلى الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد ، وعلى البصرة سمرة وعلى خراسان [ ص: 90 ] خليد بن يربوع الحنفي .
( أسيد بفتح الهمزة ، وكسر السين المهملة ، وسكون الياء المعجمة باثنتين من تحتها ) .
[ ] : الوفيات
وفيها مات بطريق عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق مكة في نومة نامها ، وقيل : توفي بعد ذلك .
وفيها توفي فيروز الديلمي ، وكانت له صحبة ، وكان معاوية قد استعمله على صنعاء .
وفيها مات عمرو بن حزم الأنصاري .
وفيها مات فضالة بن عبيد الأنصاري بدمشق ، وكان قاضيها لمعاوية ، ( وقيل : مات آخر أيام معاوية ، وقيل غير ذلك ) ، شهد أحدا وما بعدها .