[ ص: 287 ] 611 ثم دخلت سنة إحدى عشرة وستمائة
ذكر خوارزم شاه علاء الدين كرمان ومكران والسند
هذه الحادثة لا أعلم الحقيقة أي سنة كانت ، إنما هي إما هذه السنة ، أو قبلها بقليل ، أو بعدها بقليل ، لأن الذي أخبر بها كان من أجناد ملك الموصل ، وسافر إلى تلك البلاد وأقام بها عدة سنين ، وسار مع الأمير أبي بكر ، الذي فتح كرمان ، ثم عاد فأخبرني بها على شك من وقتها ، وقد حضرها فقال : خوارزم شاه محمد بن تكش كان من جملة أمراء أبيه أمير اسمه أبو بكر ، ولقبه تاج الدين .
وكان في ابتداء أمره جمالا يكري الجمال في الأسفار ، ثم جاءته السعادة ، فاتصل بخوارزم شاه ، وصار سيروان جماله ، فرأى منه جلدا وأمانة ، فقدمه إلى أن صار من أعيان أمراء عسكره ، فولاه مدينة زوزن ، وكان عاقلا ذا رأي ، وحزم ، وشجاعة ، فتقدم عند خوارزم شاه تقدما كثيرا ، فوثق به أكثر من جميع أمراء دولته .
فقال أبو بكر لخوارزم شاه : إن بلاد كرمان مجاورة لبلدي ، فلو أضاف السلطان إلي عسكرا لملكتها في أسرع وقت . فسير معه عسكرا كثيرا فمضى إلى كرمان ، وصاحبها اسمه حرب بن محمد بن أبي الفضل الذي كان صاحب سجستان أيام السلطان سنجر ، فقاتله ، فلم يكن له به قوة ، وضعف ، فملك أبو بكر بلاده في أسرع وقت ، وسار منها إلى نواحي مكران فملكها كلها إلى السند ، من حدود كابل ، وسار إلى هرمز ، مدينة على ساحل بحر مكران ، فأطاعه صاحبها ، واسمه ملنك ، وخطب بها لخوارزم شاه ، وحمل عنها مالا ، وخطب له بقلهات ، وبعض عمان ، لأن أصحابها كانوا يطيعون صاحب هرمز .
[ ص: 288 ] وسبب طاعتهم له ، مع بعد الشقة ، والبحر يقطع بينهم ، أنهم يتقربون إليه بالطاعة ليأمن أصحاب المراكب التي تسير إليهم عنده ، فإن هرمز مرسى عظيم ، ومجمع للتجار من أقاصي الهند والصين واليمن ، وغيرها من البلاد ، وكان بين صاحب هرمز وبين صاحب كيش حروب ومغاورات ، وكل منهما ينهى أصحاب المراكب أن ترسي ببلد خصمه ، وهم كذلك إلى الآن .
وكان خوارزم شاه يصيف بنواحي سمرقند ; لأجل التتر أصحاب كشلي خان ، لئلا يقصد بلاده ، وكان سريع السير ، إذا قصد جهة سبق خبره إليها .
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة قتل مؤيد الملك الشحري ، وكان قد وزر لشهاب الدين الغوري ، ولتاج الدين ألدز بعده وكان حسن السيرة ، جميل الاعتقاد ، محسنا إلى العلماء ، وأهل الخير وغيرهم ، يزورهم ويبرهم ، ويحضر الجمعة ماشيا وحده .
وكان سبب قتله أن بعض عسكر ألدز كرهوه ، وكان كل سنة يتقدم إلى البلاد الحارة بين يدي ألدز . أول الشتاء ، فسار هذه السنة كعادته ، فجاء أربعون نفرا أتراكا وقالوا له : السلطان يقول لك تحضر جريدة في عشرة نفر لمهم تجدد ; فسار معهم جريدة في عشرة مماليك ، فلما وصلوا إلى نهوند بالقرب من ماء السند قتلوه وهربوا ، ثم إنهم ظفر بهم خوارزم شاه محمد فقتلهم .
[ الوفيات ]
وفيها في رجب توفي الركن أبو منصور عبد السلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الجيلي البغدادي ببغداد ، وكان قد ولي عدة ولايات ، وكان يتهم بمذهب [ ص: 289 ] الفلاسفة حتى إنه رأى أبوه يوما عليه قميصا بخاريا ، فقال : ما هذا القميص ؟ فقال : بخاري . فقال أبوه : هذا عجب ! ما زلنا نسمع : مسلم ، وأما كافر والبخاري فما سمعنا . والبخاري
وأخذت كتبه قبل موته بعدة سنين وأظهرت في ملإ من الناس ، ورئي فيها من تبخير النجوم ومخاطبة زحل بالآلهية ، وغير ذلك من الكفريات ، ثم أحرقت بباب العامة وحبس ، ثم أفرج عنه بشفاعة أبيه واستعمل بعد ذلك .
وفيها أيضا توفي أبو العباس أحمد بن هبة الله بن العلاء المعروف بابن الزاهد ببغداد ، وكان عالما بالنجوم واللغة .
وفي شعبان منها توفي أبو المظفر محمد بن علي بن البل الدوري الواعظ ، ودفن برباط على نهر عيسى ، ومولده سنة عشر وخمسمائة .
وفي شوال منها توفي عبد العزيز بن محمود بن الأخضر ، وكان من فضلاء المحدثين ، وله سبع وثمانون سنة .