(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=77nindex.php?page=treesubj&link=28976قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ) . الغلو : الإفراط وتجاوز الحد في الأمر - فإذا كان في الدين ، فهو تجاوز حد الوحي المنزل إلى ما تهوى الأنفس ; كجعل الأنبياء والصالحين أربابا ينفعون ويضرون بسلطة غيبية لهم ، فوق سنن الله في الأسباب والمسببات الكسبية ، واتخاذهم لأجل ذلك آلهة يعبدون ، فيدعون من دون الله تعالى أو مع الله تعالى . سواء أطلق عليهم لقب الرب والإله ، كما فعلت
النصارى ، أم لا ، وكشرع عبادات لم يأذن بها الله ، وتحريم ما لم يحرم الله ; كالطيبات التي حرمها القسوس والرهبان على أنفسهم وعلى من اتبعهم ; مبالغة في التنسك ، سواء كان ذلك لوجه الله ، أم كان رياء وسمعة - نهى الله تعالى
أهل الكتاب الذين كانوا في عصر نزول القرآن عن هذا الغلو ، الذي كان عليه من قبلهم من أهل ملتهم ، وعن التقليد الذي كان سبب ضلالتهم . فذكرهم بأن الذين كانوا قبلهم قد ضلوا باتباع أهوائهم في الدين وعدم اتباعهم فيه سنة الرسل والنبيين والصالحين من الحواريين ، فكل أولئك كانوا موحدين ، ولم يكونوا مفرطين ولا مفرطين ، وإنما كانوا للشرك والغلو في الدين منكرين ، فهذا التثليث ، وهذه الطقوس الكنيسية الشديدة المستحدثة من بعدهم ، ابتدعها قوم اتبعوا أهواءهم ، فضلوا بها ، وأضلوا كثيرا ممن اتبعهم في بدعهم وضلالهم .
وأما الضلال الثاني ، الذي ختمت به الآية ، فقد فسر بإعراضهم عن الإسلام ، كما فسر الضلال الأول بما كان قبل الإسلام ، فالإسلام هو سواء السبيل ; أي وسطه الذي لا غلو فيه ، ولا تفريط ; لتحتيمه الاتباع ، وتحريمه الابتداع والتقليد .
ويجوز أن يكون الضلال الأول ضلال الابتداع والزيادة في الدين ، والضلال الثاني جهل حقيقة الدين وجوهره ، وكونه وسطا بين أطراف مذمومة ؛ كالتوحيد بين الشرك والتعطيل ، واتباع الوحي بين الابتداع والتقليد ، والسخاء بين البخل والتقتير . . . إلخ .
فإن قيل : كيف غلب على غلاة
بني إسرائيل ذلك الضلال والإضلال ، وآثر أكثرهم
[ ص: 406 ] اتباع الهوى على هدي الأنبياء ؟ وبماذا آخذهم الله تعالى على هذا الإصرار ؟ فالجواب عن ذلك قوله ، عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=78nindex.php?page=treesubj&link=28976_19059_29434لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) اللعن : أشد ما يعبر الله تعالى به عن مقته وغضبه ; فالملعون هو المحروم من لطفه وعنايته ، البعيد عن هبوط رأفته ورحمته ، وقد كان
داود عليه السلام لعن الذين اعتدوا منهم في السبت ، أو العاصين المعتدين عامة ، والمعتدين في السبت خاصة ، ثم لعنهم عيسى عليه السلام وهو آخر الأنبياء المرسلين منهم ، وإنما كان سبب ذلك اللعن من الله الذي استمر هذا الاستمرار عصيانهم له عز وجل ، واعتداءهم الممتد المستمر ، كما يدل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=78وكانوا يعتدون ) .
وقد بين - جل ذكره - ذلك العصيان وسبب استمرارهم على تعدي حدود الله وإصرارهم عليه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=79nindex.php?page=treesubj&link=28976_24661كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ) أي كانوا لا ينهى بعضهم بعضا عن منكر ما من المنكرات ، مهما اشتد قبحها وعظم ضررها ، وإنما النهي عن المنكر حفاظ الدين وسياج الآداب والفضائل ، فإذا ترك تجرأ الفساق على إظهار فسقهم وفجورهم ، ومتى صار الدهماء يرون المنكرات بأعينهم ، ويسمعونها بآذانهم ، تزول وحشتها وقبحها من أنفسهم ، ثم يتجرأ الكثيرون أو الأكثرون على اقترافها . فالإخبار بهذا الشأن من شئونهم إخبار بفشو المنكرات فيهم ، وانتشار مفاسدها بينهم ; لأن وجود العلة يقتضي وجود المعلول ، ولولا استمرار وقوع المنكرات لما صح أن يكون ترك التناهي شأنا من شئون القوم ، ودأبا من دءوبهم .
( وقد بسطنا القول في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تفسير : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=104ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير 3 : 104 ) الآية ، فليراجع في ( ص22 ج4 ط الهيئة ) وسنعود إليه إن شاء الله تعالى ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=79لبئس ما كانوا يفعلون ) هذا تأكيد قسمي لذم ما كانوا يفعلونه ، مصرين عليه ، من اقتراف المنكرات ، والسكوت عليها ، والرضاء بها ، وكفى بذلك إفسادا .
ذلك شأنهم ودأبهم الذي مردوا وأصروا عليه ، بينه الله تعالى لرسوله وللمؤمنين ; عبرة لهم ، حتى لا يفعلوا فعلهم ، فيكونوا مثلهم ، ويحل بهم من لعنة الله وغضبه ما حل بهم . روى
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وحسنه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وغيرهم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919448إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل ، فيقول يا هذا اتق الله ، ودع ما تصنع ; فإنه لا يحل لك ، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده . فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ثم قال : ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=78لعن الذين كفروا ) إلى قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=81فاسقون ) ثم قال صلى الله [ ص: 407 ] عليه وسلم : كلا والله ، لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، ثم لتأخذن على يد الظالم ، ولتأطرنه على الحق أطرا ، ولتقصرنه على الحق قصرا ، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ، ثم يلعنكم كما لعنهم " ، وورد في هذا المعنى عدة أحاديث ، فهل من معتبر أو مدكر ؟ ! بل رأينا من آثار غضب الله تعالى مثلما رأى
بنو إسرائيل أو قريبا منه ، وقد عرفنا سببه ولم نتركه ، ونراه يزداد بالإصرار على السبب ، ولا نتوب ، ولا نتذكر ! ! فإلى متى ؟ إلى متى ؟ !
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=77nindex.php?page=treesubj&link=28976قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ) . الْغُلُوُّ : الْإِفْرَاطُ وَتَجَاوُزُ الْحَدِّ فِي الْأَمْرِ - فَإِذَا كَانَ فِي الدِّينِ ، فَهُوَ تُجَاوِزُ حَدِّ الْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ إِلَى مَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ; كَجَعْلِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَرْبَابًا يَنْفَعُونَ وَيَضُرُّونَ بِسُلْطَةٍ غَيْبِيَّةٍ لَهُمْ ، فَوْقَ سُنَنِ اللَّهِ فِي الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ الْكَسْبِيَّةِ ، وَاتِّخَاذِهِمْ لِأَجْلِ ذَلِكَ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ، فَيُدْعَوْنَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى . سَوَاءٌ أُطْلِقَ عَلَيْهِمْ لَقَبُ الرَّبِّ وَالْإِلَهِ ، كَمَا فَعَلَتِ
النَّصَارَى ، أَمْ لَا ، وَكَشَرْعِ عِبَادَاتٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهَا اللَّهُ ، وَتَحْرِيمِ مَا لَمْ يُحَرِّمِ اللَّهُ ; كَالطَّيِّبَاتِ الَّتِي حَرَّمَهَا الْقُسُوسُ وَالرُّهْبَانُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى مَنِ اتَّبَعَهُمْ ; مُبَالَغَةً فِي التَّنَسُّكِ ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِوَجْهِ اللَّهِ ، أَمْ كَانَ رِيَاءً وَسُمْعَةً - نَهَى اللَّهُ تَعَالَى
أَهْلَ الْكِتَابِ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَصْرِ نُزُولِ الْقُرْآنَ عَنْ هَذَا الْغُلُوِّ ، الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهِمْ ، وَعَنِ التَّقْلِيدِ الَّذِي كَانَ سَبَبَ ضَلَالَتِهِمْ . فَذَكَّرَهُمْ بِأَنَّ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ قَدْ ضَلُّوا بِاتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ فِي الدِّينِ وَعَدَمِ اتِّبَاعِهِمْ فِيهِ سُنَّةَ الرُّسُلِ وَالنَّبِيِّينَ وَالصَّالِحِينَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ ، فَكُلُّ أُولَئِكَ كَانُوا مُوَحِّدِينَ ، وَلَمْ يَكُونُوا مُفْرِطِينَ وَلَا مُفَرِّطِينَ ، وَإِنَّمَا كَانُوا لِلشِّرْكِ وَالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ مُنْكِرِينَ ، فَهَذَا التَّثْلِيثُ ، وَهَذِهِ الطُّقُوسُ الْكَنِيسِيَّةُ الشَّدِيدَةُ الْمُسْتَحْدَثَةُ مِنْ بَعْدِهِمْ ، ابْتَدَعَهَا قَوْمٌ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ، فَضَلُّوا بِهَا ، وَأَضَلُّوا كَثِيرًا مِمَّنِ اتَّبَعَهُمْ فِي بِدَعِهِمْ وَضَلَالِهِمْ .
وَأَمَّا الضَّلَالُ الثَّانِي ، الَّذِي خُتِمَتْ بِهِ الْآيَةُ ، فَقَدْ فُسِّرَ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ ، كَمَا فُسِّرَ الضَّلَالُ الْأَوَّلُ بِمَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، فَالْإِسْلَامُ هُوَ سَوَاءُ السَّبِيلِ ; أَيْ وَسَطُهُ الَّذِي لَا غُلُوَّ فِيهِ ، وَلَا تَفْرِيطَ ; لِتَحْتِيمِهِ الِاتِّبَاعَ ، وَتَحْرِيمِهِ الِابْتِدَاعَ وَالتَّقْلِيدَ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّلَالُ الْأَوَّلُ ضَلَالَ الِابْتِدَاعِ وَالزِّيَادَةِ فِي الدِّينِ ، وَالضَّلَالُ الثَّانِي جَهْلَ حَقِيقَةِ الدِّينِ وَجَوْهَرِهِ ، وَكَوْنَهُ وَسَطًا بَيْنَ أَطْرَافٍ مَذْمُومَةٍ ؛ كَالتَّوْحِيدِ بَيْنَ الشِّرْكِ وَالتَّعْطِيلِ ، وَاتِّبَاعِ الْوَحْيِ بَيْنَ الِابْتِدَاعِ وَالتَّقْلِيدِ ، وَالسَّخَاءِ بَيْنَ الْبُخْلِ وَالتَّقْتِيرِ . . . إِلَخْ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ غَلَبَ عَلَى غُلَاةِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ذَلِكَ الضَّلَالُ وَالْإِضْلَالُ ، وَآثَرَ أَكْثَرُهُمْ
[ ص: 406 ] اتِّبَاعَ الْهَوَى عَلَى هَدْيِ الْأَنْبِيَاءِ ؟ وَبِمَاذَا آخَذَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَذَا الْإِصْرَارِ ؟ فَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=78nindex.php?page=treesubj&link=28976_19059_29434لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ) اللَّعْنُ : أَشَدُّ مَا يُعَبِّرُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَنْ مَقْتِهِ وَغَضَبِهِ ; فَالْمَلْعُونُ هُوَ الْمَحْرُومُ مِنْ لُطْفِهِ وَعِنَايَتِهِ ، الْبَعِيدُ عَنْ هُبُوطِ رَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ ، وَقَدْ كَانَ
دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَعَنَ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْهُمْ فِي السَّبْتِ ، أَوِ الْعَاصِينَ الْمُعْتَدِينَ عَامَّةً ، وَالْمُعْتَدِينَ فِي السَّبْتِ خَاصَّةً ، ثُمَّ لَعَنَهُمْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ الْمُرْسَلِينَ مِنْهُمْ ، وَإِنَّمَا كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ اللَّعْنِ مِنَ اللَّهِ الَّذِي اسْتَمَرَّ هَذَا الِاسْتِمْرَارَ عِصْيَانَهُمْ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَاعْتِدَاءَهُمُ الْمُمْتَدُّ الْمُسْتَمِرُّ ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=78وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ) .
وَقَدْ بَيَّنَ - جَلَّ ذِكْرُهُ - ذَلِكَ الْعِصْيَانَ وَسَبَبَ اسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى تَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ وَإِصْرَارَهُمْ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=79nindex.php?page=treesubj&link=28976_24661كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ) أَيْ كَانُوا لَا يَنْهَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَنْ مُنْكَرٍ مَا مِنَ الْمُنْكَرَاتِ ، مَهْمَا اشْتَدَّ قُبْحُهَا وَعَظُمَ ضَرَرُهَا ، وَإِنَّمَا النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ حِفَاظُ الدِّينِ وَسِيَاجُ الْآدَابِ وَالْفَضَائِلِ ، فَإِذَا تُرِكَ تَجَرَّأَ الْفُسَّاقُ عَلَى إِظْهَارِ فِسْقِهِمْ وَفُجُورِهِمْ ، وَمَتَى صَارَ الدَّهْمَاءُ يَرَوْنَ الْمُنْكَرَاتِ بِأَعْيُنِهِمْ ، وَيَسْمَعُونَهَا بِآذَانِهِمْ ، تَزُولُ وَحْشَتُهَا وَقُبْحُهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، ثُمَّ يَتَجَرَّأُ الْكَثِيرُونَ أَوِ الْأَكْثَرُونَ عَلَى اقْتِرَافِهَا . فَالْإِخْبَارُ بِهَذَا الشَّأْنِ مِنْ شُئُونِهِمْ إِخْبَارٌ بِفُشُوِّ الْمُنْكَرَاتِ فِيهِمْ ، وَانْتِشَارِ مَفَاسِدِهَا بَيْنَهُمْ ; لِأَنَّ وُجُودَ الْعِلَّةِ يَقْتَضِي وُجُودَ الْمَعْلُولِ ، وَلَوْلَا اسْتِمْرَارُ وُقُوعِ الْمُنْكَرَاتِ لَمَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ التَّنَاهِي شَأْنًا مِنْ شُئُونِ الْقَوْمِ ، وَدَأْبًا مِنْ دُءُوبِهِمْ .
( وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي تَفْسِيرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=104وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ 3 : 104 ) الْآيَةَ ، فَلْيُرَاجِعْ فِي ( ص22 ج4 ط الْهَيْئَةِ ) وَسَنَعُودُ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=79لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) هَذَا تَأْكِيدٌ قَسَمِيٌّ لِذَمِّ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ ، مُصِرِّينَ عَلَيْهِ ، مِنِ اقْتِرَافِ الْمُنْكَرَاتِ ، وَالسُّكُوتِ عَلَيْهَا ، وَالرِّضَاءِ بِهَا ، وَكَفَى بِذَلِكَ إِفْسَادًا .
ذَلِكَ شَأْنُهُمْ وَدَأْبُهُمِ الَّذِي مَرَدُوا وَأَصَرُّوا عَلَيْهِ ، بَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ; عِبْرَةً لَهُمْ ، حَتَّى لَا يَفْعَلُوا فِعْلَهُمْ ، فَيَكُونُوا مِثْلَهُمْ ، وَيَحِلَّ بِهِمْ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ مَا حَلَّ بِهِمْ . رَوَى
أَبُو دَاوُدَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919448إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ ، فَيَقُولُ يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهَ ، وَدَعْ مَا تَصْنَعُ ; فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ ، ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ . فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرْبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ، ثُمَّ قَالَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=78لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) إِلَى قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=81فَاسِقُونَ ) ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ [ ص: 407 ] عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَلَّا وَاللَّهِ ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ ، ثُمَّ لَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا ، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا ، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِكُمْ بِبَعْضٍ ، ثُمَّ يَلْعَنُكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ " ، وَوَرَدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى عِدَّةُ أَحَادِيثَ ، فَهَلْ مِنْ مُعْتَبِرٍ أَوْ مُدَّكِرٍ ؟ ! بَلْ رَأَيْنَا مِنْ آثَارِ غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلَمَا رَأَى
بَنُو إِسْرَائِيلَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ ، وَقَدْ عَرَّفَنَا سَبَبَهُ وَلَمْ نَتْرُكْهُ ، وَنَرَاهُ يَزْدَادُ بِالْإِصْرَارِ عَلَى السَّبَبِ ، وَلَا نَتُوبُ ، وَلَا نَتَذَكَّرُ ! ! فَإِلَى مَتَى ؟ إِلَى مَتَى ؟ !