( ) تلك فرائض الوضوء العملية المنصوصة ، وقد ذكرت في الآية مرتبة مع فصل الرجلين عن اليدين - وفريضة كل منهما الغسل - بالرأس الذي فريضته المسح ، ومضت السنة العملية في هذا الترتيب ; فدل ذلك على اشتراطه فيها ، وصح حديث : " ترتيب أعمال الوضوء " . وهو عام ، وإن كان سببه خاصا ; لوروده في السعي بين الصفا والمروة ، ويؤيد الكتاب والسنة في ذلك القياس على سائر العبادات المركبة التي التزم النبي صلى الله عليه وسلم فيها كيفية خاصة ; كالصلاة ، ولا شك في أن الوضوء عبادة ، ومدار الأمر في العبادات على الاتباع ، فليس لأحد أن يخالف المأثور في كيفية وضوئه المطردة ، كما أنه ليس له أن يخالفه في الصلاة ; كعدد الركوع والسجود ، وترتيبهما . ولا يظهر التعبد والإذعان لأمر الشارع وهديه في شيء من العبادة كما يظهر في التزام الكيفية المأثورة . ابدأ - وفي رواية : ابدءوا - بما بدأ الله به
ومن فوائد هذا الالتزام أنه من الأمور التي تتوحد بها شخصية الأمة ، فإنما الأمم بالصفات والأعمال المشتركة التي تجمع بينها ، كما يدل عليه ما ورد في تعليل النهي عن الاختلاف في صفوف الصلاة . وقد صرح بعد الترتيب من فرائض الوضوء ، وصرح الحنفية بأنه سنة لا فرض ، ونحمد الله أن كان الخلاف بالقول لا بالعمل ، فالجميع يرتبون هذه الأعمال كما رتبها الله تعالى في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم بسنته ، ولو عمل الناس بدعوى الجواز ، فتوضأ كل أهل مذهب بكيفية لكان عملهم هذا من شر ما تفرقوا فيه ، فتفرقت قلوبهم ، وضعف مجموعهم . الشافعي