وأبو عبد الله الرازي أجاب بجواب لم يفصل فيه العلة من الشرط فقال: "قولكم: لو كانت الماهية علة لوجود نفسها، لكانت متقدمة بالوجود على نفسها، فإن العلة متقدمة بالوجود على المعلول - ممنوع، فإنا وقول القائل هي متقدمة عليه بالذات: إن أريد به كونها مؤثرة فمسلم، وإن أريد به أنها لا تؤثر فيه إلا بعد وجودها فهذا ممنوع، ونحن ندعي أن المؤثر في وجود الله تعالى هو نفس ماهيته، لا باعتبار وجود سابق. وإن أريد بالتقدم أمر وراء التأثير، فذلك غير متصور". [ ص: 153 ] لا نسلم وجوب تقدم العلة على المعلول بالوجود.
ثم منع عموم الدعوى فقال: "نزلنا عن هذا المقام فلم قلتم: إن كل علة فهي متقدمة بالوجود على المعلول؟ ألا ترى أن ماهيات الممكنات قابلة لوجود ذاتها، فماهياتها علل قابلية لوجود ذاتها، ففي هذا الموضع العلل القابلية لا يجب تقدمها على المعلول بالوجود، وإذا كان كذلك فلم لا يجوز مثله في العلة الفاعلية".
وقال: "لا نقول: المؤثر هو الماهية المعدومة، بل الماهية من حيث هي هي مغايرة لوجودها وعدمها. ونحن إنما نجعل المؤثر في الوجود تلك الماهية فقط".
قال: "فإن قيل: كما جوزتم أن تؤثر ماهيته قبل الوجود في وجود نفسها، فلم لا يجوز أن تؤثر تلك الماهية قبل وجودها في وجود العالم؟ وحينئذ لا يمكن الاستدلال بوجود الأفعال على وجود الفاعل. قلنا: البديهة فرقت بين الموضعين، فإنا بالبديهة نعلم أن الشيء ما لم يوجد لا يكون شيئا لوجود غيره، ونعلم أن لا استبعاد في أن يكون الشيء موجودا [ ص: 154 ] من ذاته. والمعلوم من قولنا إنه موجود لذاته، أن ذاته تقتضي وجود نفسه، وإذا جزمت بالبديهة بالفرق صح كلامنا في هذه المسألة".
وقد مانعه بعض أصحابه في هذا الموضع وقال: "العلم بأن العلة لو كانت موجبة للوجود لكانت موجودة - علم ضروري، لأن المفيد للوجود لا بد أن يكون له وجود، بخلاف القابل فإنه مستفيد للوجود، والمستفيد للوجود يمتنع أن يكون موجودا".