وهذا الذي ذكرناه، من أن
nindex.php?page=treesubj&link=28446نفس الأعيان المحدثة كالإنسان تستلزم وجود الصانع الخالق. وأن علم الإنسان بأنه مصنوع يستلزم العلم بصانعه بذاته من غير احتياج إلى قضية كلية، تقترن بهذا، وهو معنى ما يذكره كثير من الناس، مثل قول
nindex.php?page=showalam&ids=14592الشهرستاني: "أما تعطيل العالم عن الصانع العليم القادر الحكيم، فلست أراها مقالة، ولا عرفت عليها صاحب مقالة، إلا ما نقل عن شرذمة قليلة من الدهرية أنهم قالوا: كان العالم في الأزل أجزاء مبثوثة تتحرك على غير استقامة، فاصطكت اتفاقا، فحصل العالم بشكله الذي تراه عليه".
[ ص: 129 ]
قال: "ولست أرى صاحب هذه المقالة ممن ينكر الصانع، بل هو يعترف بالصانع، لكنه يحيل سبب وجود العالم على البخت والاتفاق، احترازا عن التعليل، فما عدت هذه المسألة من النظريات التي يقام عليها برهان، فإن الفطرة السليمة الإنسانية شهدت بضرورة فطرتها وبديهة فكرتها، بصانع عليم قادر حكيم،
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10أفي الله شك [سورة إبراهيم: 10]
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=87ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله [سورة الزخرف: 87]
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=9ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم [سورة الزخرف: 9] وإن هم غفلوا عن هذه الفطرة في حال السراء، فلا شك أنهم يلوذون إليها في حال الضراء
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22دعوا الله مخلصين له الدين [سورة يونس: 22]
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه [سورة الإسراء: 67]".
قال: "ولهذا
nindex.php?page=treesubj&link=28663_28666لم يرد التكليف بمعرفة وجود الصانع، وإنما ورد بمعرفة التوحيد ونفي الشرك: nindex.php?page=hadith&LINKID=650379أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله [ ص: 130 ] إلا الله، nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=19فاعلم أنه لا إله إلا الله ولهذا جعل محل النزاع بين الرسل وبين الخلق في التوحيد،
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا [سورة غافر: 12]
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=45وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة [سورة الزمر: 45]
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=46وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا [سورة الإسراء: 46]".
قال: "وقد سلك المتكلمون طريقا في إثبات الصانع، وهو الاستدلال بالحوادث على محدث صانع، وسلك الأوائل طريقا آخر، وهو الاستدلال بإمكان الممكنات على مرجح لأحد طرفي الإمكان".
قلت: وهذا الطريق الثاني لم يسلكه الأوائل، وإنما سلكه
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا ومن وافقه، ولكن
nindex.php?page=showalam&ids=14592الشهرستاني وأمثاله لا يعرفون مذهب
أرسطو والأوائل، إذ كان عمدتهم فيما ينقلونه من الفلسفة على كتب
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، مِنْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28446نَفْسَ الْأَعْيَانِ الْمُحْدَثَةِ كَالْإِنْسَانِ تَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الصَّانِعِ الْخَالِقِ. وَأَنَّ عِلْمَ الْإِنْسَانِ بِأَنَّهُ مَصْنُوعٌ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِصَانِعِهِ بِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى قَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ، تَقْتَرِنُ بِهَذَا، وَهُوَ مَعْنَى مَا يَذْكُرُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، مِثْلَ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14592الشَّهْرَسْتَانِيِّ: "أَمَّا تَعْطِيلُ الْعَالَمِ عَنِ الصَّانِعِ الْعَلِيمِ الْقَادِرِ الْحَكِيمِ، فَلَسْتُ أَرَاهَا مَقَالَةً، وَلَا عَرَفْتُ عَلَيْهَا صَاحِبَ مَقَالَةٍ، إِلَّا مَا نُقِلَ عَنْ شِرْذِمَةٍ قَلِيلَةٍ مِنَ الدَّهْرِيَّةِ أَنَّهُمْ قَالُوا: كَانَ الْعَالَمُ فِي الْأَزَلِ أَجْزَاءً مَبْثُوثَةً تَتَحَرَّكُ عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ، فَاصْطَكَّتِ اتِّفَاقًا، فَحَصَلَ الْعَالَمُ بِشَكْلِهِ الَّذِي تَرَاهُ عَلَيْهِ".
[ ص: 129 ]
قَالَ: "وَلَسْتُ أَرَى صَاحِبَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِمَّنْ يُنْكِرُ الصَّانِعَ، بَلْ هُوَ يَعْتَرِفُ بِالصَّانِعِ، لَكِنَّهُ يُحِيلُ سَبَبَ وُجُودِ الْعَالَمِ عَلَى الْبَخْتِ وَالِاتِّفَاقِ، احْتِرَازًا عَنِ التَّعْلِيلِ، فَمَا عُدَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنَ النَّظَرِيَّاتِ الَّتِي يُقَامُ عَلَيْهَا بِرِهَانٌ، فَإِنَّ الْفِطْرَةَ السَّلِيمَةَ الْإِنْسَانِيَّةَ شَهِدَتْ بِضَرُورَةِ فِطْرَتِهَا وَبَدِيهَةِ فِكْرَتِهَا، بِصَانِعٍ عَلِيمٍ قَادِرٍ حَكِيمٍ،
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10أَفِي اللَّهِ شَكٌّ [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 10]
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=87وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 87]
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=9وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 9] وَإِنْ هُمْ غَفَلُوا عَنْ هَذِهِ الْفِطْرَةِ فِي حَالِ السَّرَّاءِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ يَلُوذُونَ إِلَيْهَا فِي حَالِ الضَّرَّاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [سُورَةُ يُونُسَ: 22]
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 67]".
قَالَ: "وَلِهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28663_28666لَمْ يَرِدِ التَّكْلِيفُ بِمَعْرِفَةِ وُجُودِ الصَّانِعِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ بِمَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ وَنَفْيِ الشِّرْكِ: nindex.php?page=hadith&LINKID=650379أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ [ ص: 130 ] إِلَّا اللَّهُ، nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=19فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَلِهَذَا جُعِلَ مَحَلُّ النِّزَاعِ بَيْنَ الرُّسُلِ وَبَيْنَ الْخَلْقِ فِي التَّوْحِيدِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا [سُورَةُ غَافِرٍ: 12]
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=45وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ [سُورَةُ الزُّمَرِ: 45]
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=46وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 46]".
قَالَ: "وَقَدْ سَلَكَ الْمُتَكَلِّمُونَ طَرِيقًا فِي إِثْبَاتِ الصَّانِعِ، وَهُوَ الِاسْتِدْلَالُ بِالْحَوَادِثِ عَلَى مُحْدِثٍ صَانِعٍ، وَسَلَكَ الْأَوَائِلُ طَرِيقًا آخَرَ، وَهُوَ الِاسْتِدْلَالُ بِإِمْكَانِ الْمُمْكِنَاتِ عَلَى مُرَجِّحٍ لِأَحَدِ طَرَفَيِ الْإِمْكَانِ".
قُلْتُ: وَهَذَا الطَّرِيقُ الثَّانِي لَمْ يَسْلُكْهُ الْأَوَائِلُ، وَإِنَّمَا سَلَكَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابْنُ سِينَا وَمَنْ وَافَقَهُ، وَلَكِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14592الشَّهْرَسْتَانِيَّ وَأَمْثَالَهُ لَا يَعْرِفُونَ مَذْهَبَ
أَرِسْطُو وَالْأَوَائِلِ، إِذْ كَانَ عُمْدَتُهُمْ فِيمَا يَنْقُلُونَهُ مِنَ الْفَلْسَفَةِ عَلَى كُتُبِ
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابْنِ سِينَا.