قلت: هذا الاضطراب إنما نشأ من قولهم: كون ذات الواجب فاعلة لوجوده، أو علة مقتضية لوجوده، إذا قدر أن وجوده مغاير لذاته، وهذا لا يحتاج إليه. بل وقيل: إنهما متلازمان من غير أن يكون أحدهما هو الموجب للآخر، كما قالوا مثل ذلك في ذات الممكن ووجوده - زالت هذه الشبهة. إذا قيل: ذاته مشروطة بوجوده، كما أن وجوده مشروط بذاته،
وهؤلاء كثيرا ما تشتبه عليهم العلل بالشروط في مسائل الدور والتسلسل وغير ذلك، ويجعلون الملزوم علة، كما يقولون: إن ماهية الثلاثة والأربعة علة للفردية والزوجية، فيجعلون ذات الشيء علة لصفته اللازمة له، وأن فاعل الذات فاعل صفتها، فإن الدور في الشروط بمعنى توقف كل من الأمرين على وجود الآخر معه - ممكن واقع، وهو الدور المعي الاقتراني. وأما الدور في العلل، وهو أن يكون كل من الأمرين علة للآخر ومبدعا له، فهذا ممتنع باتفاق العقلاء. [ ص: 155 ]
وكذلك التقدم، فإن تقدم الشرط على المشروط غير واجب، وأما تقدم الموجب على الموجب، والفاعل على المفعول، والعلة على المعلول، فلا ريب فيه عند جماهير العقلاء.