وكذلك أيضا تنازعهم في المأمور به الذي علم الله أنه لا يكون أو أخبر مع ذلك أنه لا يكون، فمن الناس من يقول: إن هذا غير مقدور عليه، كما أن
nindex.php?page=treesubj&link=30239غالية القدرية يمنعون أن يتقدم علم الله وخبره وكتابه بأنه لا يكون. وذلك لاتفاق الفريقين على أن خلاف المعلوم لا يكون ممكنا ولا مقدورا عليه.
وقد خالفهم في ذلك جمهور الناس. وقالوا: هذا منقوض عليهم بقدرة الله تعالى، فإنه أخبر بقدرته على أشياء، مع أنه لا يفعلها، كقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بلى قادرين على أن نسوي بنانه [القيامة: 4]، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=18وإنا على ذهاب به لقادرون [المؤمنون: 18] ، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=65قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم [الأنعام: 65] ، وقد قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة [هود: 18] ، ونحو ذلك مما يخبر أنه لو شاء لفعله، وإذا فعله فإنما يفعله إذا كان قادرا عليه، فقد دل القرآن على أنه قادر عليه يفعله إذا شاءه، مع أنه لا يشاؤه.
وقالوا أيضا: إن الله يعلمه على ما هو عليه، فيعلمه ممكنا مقدورا للعبد، غير واقع ولا كائن لعدم إرادة العبد له، أو لبغضه إياه، ونحو ذلك، لا لعجزه عنه.
[ ص: 63 ]
وهذا النزاع يزول بتنوع القدرة عليه كما تقدم، فإنه غير مقدور القدرة المقارنة للفعل، وإن كان مقدورا القدرة المصححة للفعل التي هي مناط الأمر والنهي.
وَكَذَلِكَ أَيْضًا تَنَازُعُهُمْ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَوْ أَخْبَرَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30239غَالِيَةَ الْقَدَرِيَّةِ يَمْنَعُونَ أَنْ يَتَقَدَّمَ عِلْمُ اللَّهِ وَخَبَرُهُ وَكِتَابُهُ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ. وَذَلِكَ لِاتِّفَاقِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى أَنَّ خِلَافَ الْمَعْلُومِ لَا يَكُونُ مُمْكِنًا وَلَا مَقْدُورًا عَلَيْهِ.
وَقَدْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ جُمْهُورُ النَّاسِ. وَقَالُوا: هَذَا مَنْقُوضٌ عَلَيْهِمْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ أَخْبَرَ بِقُدْرَتِهِ عَلَى أَشْيَاءَ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهَا، كَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ [الْقِيَامَةِ: 4]، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=18وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 18] ، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=65قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ [الْأَنْعَامِ: 65] ، وَقَدْ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً [هُودٍ: 18] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُخْبِرُ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَفَعَلَهُ، وَإِذَا فَعَلَهُ فَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، فَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ يَفْعَلُهُ إِذَا شَاءَهُ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَشَاؤُهُ.
وَقَالُوا أَيْضًا: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَيَعْلَمُهُ مُمْكِنًا مَقْدُورًا لِلْعَبْدِ، غَيْرَ وَاقِعٍ وَلَا كَائِنٍ لِعَدَمِ إِرَادَةِ الْعَبْدِ لَهُ، أَوْ لِبُغْضِهِ إِيَّاهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَا لِعَجْزِهِ عَنْهُ.
[ ص: 63 ]
وَهَذَا النِّزَاعُ يَزُولُ بِتَنَوُّعِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ الْقُدْرَةَ الْمُقَارِنَةَ لِلْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ مَقْدُورًا الْقُدْرَةَ الْمُصَحِّحَةَ لِلْفِعْلِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ.