وإيضاح هذا بالكلام على عبارة
nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي حيث قال: "هذا إشكال مشكل، وربما يكون عند غيري حله"، مع أنه يعظم ما يتكلم فيه
[ ص: 182 ] من الكلام والفلسفة، ويقول في خطبة كتابه "أبكار الأفكار" ما تقوله الفلاسفة من: "أنه لما كان كمال كل شيء وتمامه بحصول كمالاته الممكنة له، كان كمال النفس الإنسانية بحصول ما لها من الكمالات، وهي الإحاطة بالمعقولات، والعلم بالمجهولات، ولما كانت العلوم متكثرة، والمعارف متعددة، وكان الزمان لا يتسع لتحصيل جملتها، مع تقاصر الهمم وكثرة القواطع، كان الواجب السعي في تحصيل أكملها، والإحاطة بأفضلها، تقديما لما هو الأهم فالأهم، وما الفائدة في معرفته أتم، ولا يخفى أن أولى ما تترامى إليه بالبصر أبصار البصائر،
[ ص: 183 ] وتمتد نحوه أعناق الهمم والخواطر، ما كان موضوعه أجل الموضوعات، وغايته أشرف الغايات، وإليه مرجع العلوم الدينية، ومستند النواميس الشرعية، وبه صلاح العالم ونظامه، وحله وإبرامه، والطرق الموصلة إليه يقينيات، والمسالك المرشدة نحوه قطعيات.
وذلك هو
nindex.php?page=treesubj&link=29620العلم الملقب بعلم الكلام، الباحث في ذات واجب الوجود، وصفاته وأفعاله، ومتعلقاته، ولما كنا مع ذلك قد حققنا أصوله، ونقحنا فصوله، وأحطنا بمعانيه، وأوضحنا مبانيه، وأظهرنا أغواره، وكشفنا أسراره، وفزنا فيه بقصب سبق الأولين، وحزنا غايات أفكار المتقدمين والمتأخرين، واستنزعنا منه خلاصة الألباب، وفصلنا القشر عن اللباب، سألني بعض الأصحاب،
[ ص: 184 ] والفضلاء من الطلاب، جمع كتاب حاو لمسائل الأصول، جامع لأبكار أفكار العقول.
وذكر تمام الكلام، فهو مع هذا الكلام، ومع ما في كلامه من ذكر مباحث أهل الفلسفة والكلام، يذكر مثل هذا السؤال المشكل الوارد على طريقة معرفة واجب الوجود، الذي لم يذكر طريقا سواه، ويذكر أنه مشكل وليس عنده حله، ولكن من عدل عن الطرق الصحيحة الجلية، القطعية، القريبة البينة، إلى طرق طويلة بعيدة، لم يؤمن عليه مثل هذا الانقطاع، كما قد نبه العلماء على ذلك غير مرة، وذكروا أن الطرق المبتدعة إما أن تكون مخطرة لطولها ودقتها، وإما أن تكون فاسدة. ولكن من سلك الطريق المخوفة، وكانت طريقا صحيحة، فإنه يرجى له الوصول إلى المطلوب.
ولكن لما فعل هؤلاء ما فعلوا، وصاروا يعارضون بمضمون طرقهم
[ ص: 185 ] صحيح المنقول وصريح المعقول، ويدعون أن لا معرفة إلا من طريقهم، أو لا يكون عالما كاملا إلا من عرف طريقهم، احتيج إلى تبين ما فيها دفعا لمن يحارب الله ورسوله، ويسعى في الأرض فسادا، وبيانا للطرق النافعة غير طريقهم، وبيانا لأن أهل العلم والإيمان عالمون بحقائق ما عندهم، ليسوا عاجزين عن ذلك، ولكن من كان قادرا على قطع الطريق، فترك ذلك إيمانا واحتسابا، وطلبا للعدل والحق، وجعل قوته في الجهاد في أعداء الله ورسوله، كان خيرا ممن جعل ما أوتيه من القوة فيما يشبه قطع الطريق:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=14وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=15الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=18صم بكم عمي فهم لا يرجعون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19 [ ص: 186 ] أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين [سورة البقرة: 11- 19].
فإن الهدى الذي بعث الله به رسوله، لما كان فيه معنى الماء الذي يحصل به الحياة، ومعنى النور الذي يحصل به الإشراق، ذكر هذين المثلين، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=122أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها [سورة الأنعام 122] وكما ضرب المثل بهذا وهذا في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال [سورة الرعد: 17]. وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=60ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=61وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=62فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=63أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا [سورة النساء: 60 – 63].
nindex.php?page=treesubj&link=19585_28792ومن أعظم المصائب أن يصاب الإنسان فيما لا سعادة له ولا نجاة له [ ص: 187 ] إلا به، ويصاب في الطريق الذي يقول إنه به يعرف ربه، ويرد عليه فيه إشكال لا ينحل له، مع أنه من أكبر رؤوس طوائف أهل الكلام والفلسفة، بل قد يقال: إنه لم يكن فيهم في وقته مثله.
والمقصود هنا ذكر عبارته في الإشكال الذي أورده، وهو قوله: "ما المانع من كون الجملة ممكنة الوجود، ويكون ترجحها بترجح آحادها، وترجح آحادها كل واحد بالآخر إلى غير نهاية".
وَإِيضَاحُ هَذَا بِالْكَلَامِ عَلَى عِبَارَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=14552الْآمِدِيِّ حَيْثُ قَالَ: "هَذَا إِشْكَالٌ مُشْكِلٌ، وَرُبَّمَا يَكُونُ عِنْدَ غَيْرِي حَلُّهُ"، مَعَ أَنَّهُ يُعَظِّمُ مَا يَتَكَلَّمُ فِيهِ
[ ص: 182 ] مِنَ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ، وَيَقُولُ فِي خُطْبَةِ كِتَابِهِ "أَبْكَارِ الْأَفْكَارِ" مَا تَقُولُهُ الْفَلَاسِفَةُ مِنْ: "أَنَّهُ لَمَّا كَانَ كَمَالُ كُلِّ شَيْءٍ وَتَمَامُهُ بِحُصُولِ كَمَالَاتِهِ الْمُمْكِنَةِ لَهُ، كَانَ كَمَالُ النَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ بِحُصُولِ مَا لَهَا مِنَ الْكَمَالَاتِ، وَهِيَ الْإِحَاطَةُ بِالْمَعْقُولَاتِ، وَالْعِلْمُ بِالْمَجْهُولَاتِ، وَلَمَّا كَانَتِ الْعُلُومُ مُتَكَثِّرَةً، وَالْمَعَارِفُ مُتَعَدِّدَةً، وَكَانَ الزَّمَانُ لَا يَتَّسِعُ لِتَحْصِيلِ جُمْلَتِهَا، مَعَ تَقَاصُرِ الْهِمَمِ وَكَثْرَةِ الْقَوَاطِعِ، كَانَ الْوَاجِبُ السَّعْيَ فِي تَحْصِيلِ أَكْمَلِهَا، وَالْإِحَاطَةِ بِأَفْضَلِهَا، تَقْدِيمًا لِمَا هُوَ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ، وَمَا الْفَائِدَةُ فِي مَعْرِفَتِهِ أَتَمُّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَوْلَى مَا تَتَرَامَى إِلَيْهِ بِالْبَصَرِ أَبْصَارُ الْبَصَائِرِ،
[ ص: 183 ] وَتَمْتَدُّ نَحْوَهُ أَعْنَاقُ الْهِمَمِ وَالْخَوَاطِرِ، مَا كَانَ مَوْضُوعُهُ أَجَلَّ الْمَوْضُوعَاتِ، وَغَايَتُهُ أَشْرَفَ الْغَايَاتِ، وَإِلَيْهِ مَرْجِعُ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ، وَمُسْتَنَدُ النَّوَامِيسِ الشَّرْعِيَّةِ، وَبِهِ صَلَاحُ الْعَالَمِ وَنِظَامُهُ، وَحَلُّهُ وَإِبْرَامُهُ، وَالطُّرُقُ الْمُوصِلَةُ إِلَيْهِ يَقِينِيَّاتٌ، وَالْمَسَالِكُ الْمُرْشِدَةُ نَحْوَهُ قَطْعِيَّاتٌ.
وَذَلِكَ هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=29620الْعِلْمُ الْمُلَقَّبُ بِعِلْمِ الْكَلَامِ، الْبَاحِثُ فِي ذَاتِ وَاجِبِ الْوُجُودِ، وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَمُتَعَلِّقَاتِهِ، وَلَمَّا كُنَّا مَعَ ذَلِكَ قَدْ حَقَّقْنَا أُصُولَهُ، وَنَقَّحْنَا فُصُولَهُ، وَأَحَطْنَا بِمَعَانِيهِ، وَأَوْضَحْنَا مَبَانِيهِ، وَأَظْهَرْنَا أَغْوَارَهُ، وَكَشَفْنَا أَسْرَارَهُ، وَفُزْنَا فِيهِ بِقَصَبِ سَبْقِ الْأَوَّلِينَ، وَحُزْنَا غَايَاتِ أَفْكَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَاسْتَنْزَعْنَا مِنْهُ خُلَاصَةَ الْأَلْبَابِ، وَفَصَلْنَا الْقِشْرَ عَنِ اللُّبَابِ، سَأَلَنِي بَعْضُ الْأَصْحَابِ،
[ ص: 184 ] وَالْفُضَلَاءُ مِنَ الطُّلَّابِ، جَمْعَ كِتَابٍ حَاوٍ لِمَسَائِلِ الْأُصُولِ، جَامِعٍ لِأَبْكَارِ أَفْكَارِ الْعُقُولِ.
وَذَكَرَ تَمَامَ الْكَلَامِ، فَهُوَ مَعَ هَذَا الْكَلَامِ، وَمَعَ مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ ذِكْرِ مَبَاحِثِ أَهْلِ الْفَلْسَفَةِ وَالْكَلَامِ، يَذْكُرُ مِثْلَ هَذَا السُّؤَالِ الْمُشْكِلِ الْوَارِدِ عَلَى طَرِيقَةِ مَعْرِفَةِ وَاجِبِ الْوُجُودِ، الَّذِي لَمْ يَذْكُرْ طَرِيقًا سِوَاهُ، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ مُشْكِلٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ حَلُّهُ، وَلَكِنْ مَنْ عَدَلَ عَنِ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ الْجَلِيَّةِ، الْقَطْعِيَّةِ، الْقَرِيبَةِ الْبَيِّنَةِ، إِلَى طُرُقٍ طَوِيلَةٍ بَعِيدَةٍ، لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا الِانْقِطَاعِ، كَمَا قَدْ نَبَّهَ الْعُلَمَاءُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَذَكَرُوا أَنَّ الطُّرُقَ الْمُبْتَدَعَةَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مَخْطَرَةً لِطُولِهَا وَدِقَّتِهَا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فَاسِدَةً. وَلَكِنْ مَنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْمَخُوفَةَ، وَكَانَتْ طَرِيقًا صَحِيحَةً، فَإِنَّهُ يُرْجَى لَهُ الْوُصُولُ إِلَى الْمَطْلُوبِ.
وَلَكِنْ لَمَّا فَعَلَ هَؤُلَاءِ مَا فَعَلُوا، وَصَارُوا يُعَارِضُونَ بِمَضْمُونِ طُرُقِهِمْ
[ ص: 185 ] صَحِيحَ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحَ الْمَعْقُولِ، وَيَدَّعُونَ أَنْ لَا مَعْرِفَةَ إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِمْ، أَوْ لَا يَكُونُ عَالِمًا كَامِلًا إِلَّا مَنْ عَرَفَ طَرِيقَهُمُ، احْتِيجَ إِلَى تَبَيُّنِ مَا فِيهَا دَفْعًا لِمَنْ يُحَارِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيَسْعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، وَبَيَانًا لِلطُّرُقِ النَّافِعَةِ غَيْرِ طَرِيقِهِمْ، وَبَيَانًا لِأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ عَالِمُونَ بِحَقَائِقِ مَا عِنْدَهُمْ، لَيْسُوا عَاجِزِينَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ، فَتَرَكَ ذَلِكَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَطَلَبًا لِلْعَدْلِ وَالْحَقِّ، وَجَعَلَ قُوَّتَهُ فِي الْجِهَادِ فِي أَعْدَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، كَانَ خَيْرًا مِمَّنْ جَعَلَ مَا أُوتِيَهُ مِنَ الْقُوَّةِ فِيمَا يُشْبِهُ قَطْعَ الطَّرِيقِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=14وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=15اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=18صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19 [ ص: 186 ] أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 11- 19].
فَإِنَّ الْهُدَى الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، لَمَّا كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمَاءِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْحَيَاةُ، وَمَعْنَى النُّورِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِشْرَاقُ، ذَكَرَ هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=122أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [سُورَةُ الْأَنْعَامِ 122] وَكَمَا ضَرَبَ الْمَثَلَ بِهَذَا وَهَذَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ [سُورَةُ الرَّعْدِ: 17]. وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=60أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=61وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=62فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=63أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلا بَلِيغًا [سُورَةُ النِّسَاءِ: 60 – 63].
nindex.php?page=treesubj&link=19585_28792وَمِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ أَنْ يُصَابَ الْإِنْسَانُ فِيمَا لَا سَعَادَةَ لَهُ وَلَا نَجَاةَ لَهُ [ ص: 187 ] إِلَّا بِهِ، وَيُصَابُ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي يَقُولُ إِنَّهُ بِهِ يَعْرِفُ رَبَّهُ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ فِيهِ إِشْكَالٌ لَا يَنْحَلُّ لَهُ، مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ رُؤُوسِ طَوَائِفِ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ فِي وَقْتِهِ مِثْلُهُ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا ذِكْرُ عِبَارَتِهِ فِي الْإِشْكَالِ الَّذِي أَوْرَدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: "مَا الْمَانِعُ مِنْ كَوْنِ الْجُمْلَةِ مُمْكِنَةَ الْوُجُودِ، وَيَكُونُ تَرَجُّحُهَا بِتَرَجُّحِ آحَادِهَا، وَتَرَجُّحُ آحَادِهَا كُلِّ وَاحِدٍ بِالْآخَرِ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ".