وإذا كان في بعض الناس ملزوما وعلة، لم يجب أن يكون في كل عالم ملزوما وعلة، إلا إذا لم يكن للعالم طريق إلى العلم باللازم، سوى علمه بعلته.
وهذا باطل في حق الله، ولا يمكن دعواه، فلا يمكن أحدا أن يدعي أن الله لا يمكن أن يعلم شيئا من الموجودات إلا لعلمه بعلته؛ إذ لا دليل على هذا النفي. وإذا قدر أن ذاته مستلزمة لنفسها أن تعلم كل شيء لا يخفى عليها شيء، أوجب ذلك أن يعلم كل شيء. [ ص: 129 ]
وإن قدر أنه غير مفعول له، كما يعلم المعدومات والممتنعات التي ليست مفعولة، وكما يعلم المقدرات.
كقوله: ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه [الأنعام: 28]، وقوله: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [الأنبياء: 22].
وإن كان وجود إله غيره ممتنعا، فعلمه سبحانه بما يعلمه، ليس من شرطه كونه مفعولا له، بل كونه مفعولا له، دليل على أنه يعلمه والدليل لا ينعكس.
وكذلك علمه بنفسه مستلزم لعلمه بمخلوقاته، وإن لم يكن علمه بنفسه علة لعلمه بمخلوقاته.
فينبغي تدبر هذه المعاني الشريفة، فإنه يبين كثرة الطرق البرهانية الدالة على علمه سبحانه، بخلاف من يقول: لا يمكننا إثبات علمه إلا بطريق الإرادة ونحو ذلك.
وهكذا كدلائل معرفة نفسه، ودلائل نبوة رسوله، ودلائل ثبوت قدرته وعلمه، وغير ذلك، فإنها دلائل كثيرة قطعية، وإن كان من الناس من قد يضيق عليه ما وسعه الله على من هداه، كما أن من الناس من يعرض له شك وسفسطة في بعض الحسيات والعقليات، التي لا يشك فيها جماهير الناس. كلما كان الناس أحوج إلى معرفة الشيء، فإن الله يوسع عليهم دلائل معرفته،
والمقصود هنا أنا نحن أخرجنا الله من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا فنفتقر في حصول العلم لنا إلى أسباب غير أنفسنا.