الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا وقعت الموادعة بينهم فأعطى كل واحد من الفريقين رهنا على أنه أيهما غدر فقتل الرهن فدماء الآخرين لهم حلال ، فغدر أهل البغي ، وقتلوا الرهن الذين في أيديهم لم ينبغ لأهل العدل أن يقتلوا الرهن الذين في أيديهم ، ولكنهم يحبسونهم حتى يهلك أهل البغي أو يتوبوا ; لأنهم صاروا آمنين فينا ، إما بالموادعة أو بأن أعطيناهم الأمان حين أخذناهم رهنا ، وإنما كان الغدر من غيرهم فلا يؤاخذون بذنب الغير قال الله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } ولكنه لا يخلي سبيلهم ; لأنه يخاف فتنتهم ، وإن يعودوا إلى فئتهم فيحاربون أهل العدل ، فلهذا حبسوا إلى أن يتفرق جمعهم ، وكذلك إن كان هذا الصلح بين المسلمين والمشركين فغدر المشركون حبس رهنهم في أيدي المسلمين حتى يسلموا ، وإن أبوا فهم ذمة المسلمين يوضع عليهم الجزية ; لأنهم حصلوا في أيدينا آمنين فلا يحل قتلهم بغدر كان من غيرهم ، ولكنهم احتبسوا في دارنا على التأبيد ; لأنهم كانوا راضين بالمقام في دارنا إلى أن يرد علينا رهننا ، وقد فات ذلك حين قتلوا رهننا فقلنا : إنهم يحتبسون في دارنا على التأبيد ، والكافر لا يترك في دارنا مقيما إلا بجزية فتوضع عليهم الجزية إن لم يسلموا ، ويحكى أن الدوانيقي كان ابتلي بهذا الصلح مع أهل الموصل ، ثم إنهم غدروا فقتلوا رهنه فجمع العلماء ليستشيرهم في رهنهم فقالوا يقتلون كما شرطوا على أنفسهم ، وفيهم أبو حنيفة رحمه الله تعالى ساكت فقال له : ما تقول . قال : ليس لك ذلك فإنك شرطت لهم مالا يحل ، وشرطوا لك ما لا يحل {، وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل } { ولا تزر وازرة وزر أخرى } فاغلظ عليه القول ، وأمر بإخراجه من عنده ، وقال : ما دعوتك لشيء إلا أتيتني بما أكره ثم جمعهم من الغد ، وقال قد تبين لي أن الصواب ما قلت فماذا نصنع بهم قال : سل العلماء فسألهم فقالوا : لا علم لنا بذلك قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى توضع عليهم الجزية فقال : لم وهم لا يرضون بذلك قال : لأنهم رضوا بالمقام في دارنا إلى أن يرد علينا رهننا ، وقد تحقق فوت ذلك فكانوا راضين بالمقام في دارنا على التأبيد ، والكافر إذا رضي بذلك توضع عليه الجزية فاستحسن قوله واعتذر إليه ورده إلى بيته بمحمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية