الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإن طلب المرتدون أن يجعلوا ذمة للمسلمين لم يفعلوا ذلك بهم ; لأنه إنما تقبل الذمة ممن يجوز استرقاقه ، ولأن المرتدين كمشركي العرب ، فإن أولئك جناة على قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء على دينه ، وكما لا تقبل الذمة من مشركي العرب عملا بقوله صلى الله عليه وسلم { لا يجتمع في جزيرة العرب دينان } فكذلك لا يقبل ذلك من المرتدين ، وإن طلبوا الموادعة مدة لينظروا في أمورهم فلا بأس بذلك إن كان ذلك خيرا للمسلمين ، ولم يكن للمسلمين بهم طاقة ; لأنهم لما ارتدوا دخلت عليهم الشبهة ، ويزول ذلك إذا نظروا في أمرهم ، وقد بينا أن المرتد إذا طلب التأجيل يؤجل إلا أن هناك لا يزاد على ثلاثة أيام لتمكن المسلمين من قتله ، وههنا لا طاقة بهم للمسلمين فلا بأس بأن يمهلوهم مقدار ما طلبوا من المدة لحفظ قوة أنفسهم ولعجزهم عن مقاومتهم ، وإن كانوا يطيقونهم ، وكان الحرب خيرا لهم من الموادعة حاربوهم ; لأن القتال معهم فرض إلى أن يسلموا قال الله تعالى : { تقاتلونهم أو يسلمون } ، ولا يجوز تأخير إقامة الفرض مع التمكن من إقامته ، فإذا وادعوهم لم يأخذ الإمام منهم في الموادعة خراجا ; لأن ذلك حينئذ يشبه عقد الذمة ، وقد بينا أنه لا تقبل منهم الذمة فكذلك لا يؤخذ منهم على الموادعة خراج بخلاف أهل الحرب ، فإن أخذ منهم مالا جاز ; لأن العصمة زالت عن مالهم ، ألا ترى أنه لو ظهر المسلمون عليهم كانت أموالهم غنيمة ، وكذلك إن أخذوا شيئا من مالهم ملكوا ذلك بأي طريق أخذوا منهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية