( 6754 ) فصل : وإذا ، صح توكيله . نص عليه وكل من يستوفي القصاص ، رحمه الله . فإن أحمد ، نظرنا ; فإن كان عفوه بعد القتل ، لم يصح ; لأن حقه قد استوفي ، وإن كان قتله وقد علم الوكيل به ، فقد قتله ظلما ، فعليه القود ، كما لو قتله ابتداء . وإن قتله قبل العلم بعفو الموكل . فقال وكله ، ثم غاب ، وعفا عن القصاص ، واستوفى الوكيل أبو بكر : لا ضمان على الوكيل ; لأنه لا تفريط منه ، فإن العفو حصل على وجه لا يمكن الوكيل استدراكه ، فلم يلزمه ضمان ، كما لو عفا بعد ما رماه .
وهل يلزم الموكل الضمان ؟ فيه قولان ; أحدهما : لا ضمان عليه ; لأن عفوه غير صحيح ، لما ذكرنا [ ص: 281 ] من حصوله في حال لا يمكنه استدراك الفعل ، فوقع القتل مستحقا له ، فلم يلزمه ضمان ; ولأن العفو إحسان ، فلا يقتضي وجوب الضمان . والثاني ، عليه الضمان ; لأن قتل المعفو عنه حصل بأمره وتسليطه ، على وجه لا ذنب للمباشر فيه ، فكان الضمان على الآمر ، كما لو أمر عبده الأعجمي بقتل معصوم . وقال غير أبي بكر : في صحة العفو وجهان ; بناء على الروايتين في الوكيل ، هل ينعزل بعزل الموكل أو لا ؟ قولان ، كالوجهين . فإن قلنا : لا يصح العفو فلا ضمان على أحد ; لأنه قتل من يجب قتله بأمر يستحقه . وللشافعي
وإن قلنا : يصح العفو . فلا قصاص فيه ; لأن الوكيل قتل من يعتقد إباحة قتله بسبب هو معذور فيه ، فأشبه ما لو قتل في دار الحرب من يعتقده حربيا . وتجب الدية على الوكيل ; لأنه لو علم لوجب عليه القصاص ، فإذا لم يعلم تعلق به الضمان ، كما لو قتل مرتدا قد أسلم قبل علمه بإسلامه ، ويرجع بها على الموكل ; لأنه غره بتسليطه على القتل بتفريطه في ترك إعلامه بالعفو ، فيرجع عليه ، كالغار في النكاح بحرية أمه ، أو تزوج معيبة . ويحتمل أن لا يرجع عليه ; لأن العفو إحسان منه ، فلا يقتضي الرجوع عليه . فعلى هذا ، تكون الدية على عاقلة الوكيل . وهذا اختيار ; لأن هذا جرى مجرى الخطأ ، فأشبه ما لو قتل في دار الحرب مسلما يعتقده حربيا . أبي الخطاب
وقال : هو في مال الوكيل ; لأنه عن عمد محض . وهذا لا يصح ; لأنه لو كان عمدا محضا لأوجب القصاص ، ولأنه يشترط في العمد المحض أن يكون عالما بحال المحل ، وكونه معصوما ، ولم يوجد هذا . وإن قال : هو عمد الخطأ . فعمد الخطأ تحمله العاقلة . ذكره القاضي ودل عليه خبر المرأة التي قتلت جاريتها وجنينها بمسطح ، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدية على عاقلتها ، واختلف أصحاب الخرقي على هذين الوجهين ، فعلى قول الشافعي ، إن كان الموكل عفا إلى الدية ، فله الدية في تركة الجاني ، ولورثة الجاني مطالبة الوكيل بديته ، وليس للموكل مطالبة الوكيل بشيء . القاضي
فإن قيل : فقد قلتم فيما إذا كان القصاص لأخوين فقتله أحدهما فعليه نصف الدية ، ولأخيه مطالبته به ، في وجه . قلنا : ثم أتلف حقه ، فرجع ببدله عليه ، وها هنا أتلفه بعد سقوط حق الموكل عنه ، فافترقا . وإن قلنا : إن الوكيل يرجع على الموكل . احتمل أن تسقط الديتان ; لأنه لا فائدة في أن يأخذها الورثة من الوكيل ، ثم يدفعونها إلى الموكل ، ثم يردها الموكل إلى الوكيل ، فيكون تكليفا لكل واحد منهم بغير فائدة . ويحتمل أن يجب ذلك ; لأن الدية الواجبة في ذمة الوكيل لغير من للوكيل الرجوع عليه ، وإنما تتساقط الديتان إذا كان لكل واحد من الغريمين على صاحبه مثل ما له عليه ، ولأنه قد تكون الديتان مختلفتين ، بأن يكون أحد المقتولين رجلا والآخر امرأة ، فعلى هذا يأخذ ورثة الجاني ديته من الوكيل ، ويدفعون إلى الموكل دية وليه ، ثم يرد الموكل إلى الوكيل قدر ما غرمه ، وإن أحال ورثة الجاني الموكل على الوكيل بدية وليهم ، صح فإن كان الجاني أقل دية ، مثل أن تكون امرأة قتلت رجلا ، فقتلها الوكيل ، فلورثتها إحالة الموكل بديتها ; لأنه القدر الواجب لهم على الوكيل ، فيسقط عن الوكيل والموكل جميعا ، ويرجع الموكل على ورثتها بنصف دية وليه ، وإن كان الجاني رجلا قتل امرأة ، فقتله الوكيل ، فلورثة الجاني إحالة الموكل بدية المرأة ; لأن الموكل لا يستحق عليهم أكثر من ديتها ، ويطالبون الوكيل بنصف دية الجاني ، ثم يرجع به على الموكل .