الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6749 ) فصل : فإن قتله بعض الأولياء بغير إذن الباقين ، لم يجب عليه قصاص . وبهذا قال أبو حنيفة ، وهو أحد قولي الشافعي ، والقول الأخير ، عليه القصاص ; لأنه ممنوع من قتله ، وبعضه غير مستحق له ، وقد يجب القصاص بإتلاف بعض النفس ، بدليل ما لو اشترك الجماعة في قتل واحد . ولنا ، أنه مشارك في استحقاق القتل ، فلم يجب عليه القصاص ، كما لو كان مشاركا في ملك الجارية ووطئها ، ولأنه محل يملك بعضه ، فلم تجب العقوبة المقدرة باستيفائه كالأصل . ويفارق إذا قتل الجماعة واحدا ، فإنا لا نوجب القصاص بقتل بعض النفس ، وإنما نجعل كل واحد منهم قاتلا لجميعها ، وإن سلمنا وجوبه عليه لقتله بعض النفس ، فمن شرطه المشاركة لمن فعله ، كفعله في العمد والعدوان ، ولا يتحقق هاهنا .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فإن للولي الذي لم يقتل قسطه من الدية ; لأن حقه من القصاص سقط بغير اختياره ، فأشبه ما لو مات القاتل أو عفا بعض الأولياء . وهل يجب ذلك على قاتل الجاني ، أو في تركة الجاني ؟ فيه وجهان . وللشافعي قولان ; أحدهما : يرجع على قاتل الجاني ; لأنه أتلف محل حقه ، فكان الرجوع عليه بعوض نصيبه ، كما لو كانت له وديعة فأتلفها . والثاني ، يرجع في تركة الجاني ، كما لو أتلفه أجنبي ، أو عفا شريكه عن القصاص ، وقولنا : أتلف محل حقه ، يبطل بما إذا أتلف مستأجره أو غريمه أو امرأته ، أو كان المتلف أجنبيا ، ويفارق الوديعة ، فإنها مملوكة لهما ، فوجب [ ص: 278 ] عوض ملكه ، أما الجاني فليس بمملوك للمجني عليه ، وإنما له عليه حق ، فأشبه ما لو قتل غريمه . فعلى هذا ، يرجع ورثة الجاني على قاتله بدية مورثهم إلا قدر حقه منها . فعلى هذا ، لو كان الجاني أقل دية من قاتله ، مثل امرأة قتلت رجلا له ابنان ، فقتلها أحدهما بغير إذن الآخر ، فللآخر نصف دية أبيه في تركة المرأة التي قتلته ، ويرجع ورثتها بنصف ديتها على قاتلها ، وهو ربع دية الرجل .

                                                                                                                                            وعلى الوجه الأول ، يرجع الابن الذي لم يقتل على أخيه بنصف دية المرأة ; لأنه لم يفوت على أخيه إلا نصف المرأة ، ولا يمكن أن يرجع على ورثة المرأة بشيء ; لأن أخاه الذي قتلها أتلف جميع الحق ، وهذا يدل على ضعف هذا الوجه ومن فوائده أيضا ، صحة إبراء من حكمنا بالرجوع عليه ، وملك مطالبته ، فإن قلنا : يرجع على ورثة الجاني . صح إبراؤهم ، وملكوا الرجوع على قاتل موروثهم بقسط أخيه العافي . وإن قلنا : يرجع على تركة الجاني . وله تركة ، فله الأخذ منها ، سواء أمكن ورثته أن يستوفوا من الشريك ، أو لم يمكنهم . وإن قلنا : يرجع على شريكه . لم يكن له مطالبة ورثة الجاني ، سواء كان شريكه موسرا أو معسرا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية