الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6278 ) فصل : ومن ولدت امرأته ولدا لا يمكن كونه منه في النكاح ، لم يلحقه نسبه ، ولم يحتج إلى نفيه ; لأنه يعلم أنه ليس منه ، فلم يلحقه ، كما لو أتت به عقيب نكاحه لها ، وذلك مثل أن تأتي به لدون ستة أشهر من حين تزوجها ، فلا يلحق به ، في قول كل من علمنا قوله من أهل العلم ; لأننا نعلم أنها علقت به قبل أن يتزوجها . وإن كان الزوج طفلا له أقل من عشر سنين ، فأتت امرأته بولد ، لم يلحقه ; لأنه لم يوجد ولد لمثله ، ولا يمكنه الوطء . وإن كان له عشر ، فحملت امرأته ، لحقه ولدها ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { واضربوهم على الصلاة لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع } وقال القاضي : يلحق به ، إذا أتت به لتسعة أعوام ونصف عام مدة الحمل ; لأن الجارية يولد لها لتسع ، فكذلك الغلام .

                                                                                                                                            وقال أبو بكر : لا يلحقه حتى يبلغ ; لأن الولد إنما يكون من الماء ، ولا ينزل حتى يبلغ . ولنا أنه زمن يمكن البلوغ فيه ، فيلحقه الولد ، كالبالغ ، وقد روي أن عمرو بن العاص ، وابنه عبد الله ، لم يكن بينهما إلا اثنا عشر عاما ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتفريق بينهم ، دليل على إمكان الوطء الذي هو سبب الولادة ، وأما قياس الغلام على الجارية ، فغير صحيح ، فإن الجارية يمكن الاستمتاع بها لتسع عادة ، والغلام لا يمكنه الاستمتاع لتسع ، وقد تحيض لتسع ، وما عهد بلوغ غلام لتسع .

                                                                                                                                            ولو تزوج رجل امرأة في مجلس ، ثم طلقها فيه قبل غيبته عنهم ، ثم أتت امرأته بولد لستة أشهر من حين العقد ، أو تزوج مشرقي بمغربية ، ثم مضت ستة أشهر ، وأتت بولد ، لم يلحقه . وبذلك قال مالك ، والشافعي . وقال أبو حنيفة : يلحقه نسبه ; لأن الولد إنما يلحقه بالعقد ، ومدة الحمل ، ألا ترى أنكم قلتم : إذا مضى زمان الإمكان ، لحق الولد ، وإن علم أنه لم يحصل منه الوطء . ولنا أنه لم يحصل إمكان الوطء بهذا العقد ، فلم يلحق به الولد ، كزوجة ابن سنة ، أو كما لو ولدته لدون ستة [ ص: 65 ] أشهر ، وفارق ما قاسوا عليه ; لأن الإمكان إذا وجد لم يعلم أنه ليس منه قطعا ، لجواز أن يكون وطئها من حيث لا يعلم ، ولا سبيل لنا إلى معرفة حقيقة الوطء ، فعلقنا الحكم على إمكانه في النكاح ، ولم يجز حذف الإمكان عن الاعتبار ، لأنه إذا انتفى حصل اليقين بانتفائه عنه ، فلم يحز إلحاقه به مع يقين كونه ليس منه .

                                                                                                                                            وإن ولدت امرأة مقطوع الذكر والأنثيين ، لم يلحق نسبه به . في قول عامة أهل العلم ; لأنه يستحيل منه الإنزال والإيلاج . وإن قطعت أنثياه دون ذكره ، فكذلك ; لأنه لا ينزل ما يخلق منه الولد . وقال أصحابنا : يلحقه النسب ; لأنه يتصور منه الإيلاج ، وينزل ماء رقيقا . ولنا . أن هذا لا يخلق منه ولد عادة ، ولا وجد ذلك ، فأشبه ما لو قطع ذكره معهما ، ولا اعتبار بإيلاج لا يخلق منه الولد ، كما لو أولج إصبعه . وأما قطع ذكره وحده ، فإنه يلحقه الولد ; لأنه يمكن أن يساحق ، فينزل ماء يخلق منه الولد . ولأصحاب الشافعي اختلاف في ذلك ، على نحو ما ذكرنا من الخلاف عندنا .

                                                                                                                                            قال ابن اللبان : لا يلحقه الولد في هاتين الصورتين . في قول الجمهور . وقال بعضهم : يلحقه بالفراش . وهو غلط ; لأن الولد إنما يلحق بالفراش إذا أمكن ، ألا ترى أنها إذا ولدت بعد شهر منذ تزوجها لم يلحقه ، وهاهنا لا يمكن ; لفقد المني من المسلول ، وتعذر إيصال المني إلى قعر الرحم من المجبوب . ولا معنى لقول من قال : يجوز أن تستدخل المرأة مني الرجل ، فتحمل ; لأن الولد مخلوق من مني الرجل والمرأة جميعا ، ولذلك يأخذ الشبه منهما ، وإذا استدخلت المني بغير جماع ، لم تحدث لها لذة تمني بها ، فلا يختلط نسبهما ، ولو صح ذلك لكان الأجنبيان الرجل والمرأة إذا تصادقا أنها استدخلت منيه ، وأن الولد من ذلك المني ، يلحقه نسبه ، وما قال ذلك أحد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية