الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الخامسة: إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل، فالجرح مقدم؛ لأن المعدل يخبر عما ظهر من حاله، والجارح يخبر عن باطن خفي على المعدل، فإن كان عدد المعدلين أكثر فقد قيل التعديل أولى. والصحيح - والذي عليه الجمهور - أن الجرح أولى؛ لما ذكرناه. والله أعلم.

السادسة: لا يجزئ التعديل على الإبهام من غير تسمية المعدل، فإذا قال: "حدثني الثقة" أو نحو ذلك مقتصرا عليه لم يكتف به، فيما ذكره الخطيب الحافظ، والصيرفي الفقيه، وغيرهما، خلافا لمن اكتفى بذلك، وذلك لأنه قد يكون ثقة عنده، وغيره قد اطلع على جرحه بما هو جارح عنده أو بالإجماع، فيحتاج إلى أن يسميه حتى يعرف، بل إضرابه عن تسميته مريب يوقع في القلوب فيه ترددا.

فإن كان القائل لذلك عالما أجزأ ذلك في حق من يوافقه في مذهبه، على ما اختاره بعض المحققين.

وذكر الخطيب الحافظ أن العالم إذا قال: "كل من رويت عنه فهو ثقة وإن لم أسمه، ثم روى عمن لم يسمه فإنه يكون مزكيا له، غير أنا لا نعمل بتزكيته هذه" وهذا على ما قدمناه. والله أعلم.

السابعة: إذا روى العدل عن رجل وسماه لم تجعل روايته عنه تعديلا منه له عند أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم.

وقال بعض أهل الحديث وبعض أصحاب الشافعي: "يجعل ذلك تعديلا منه له؛ لأن ذلك يتضمن التعديل" والصحيح هو الأول؛ لأنه يجوز أن يروي عن غير عدل فلم تتضمن روايته عنه تعديله.

وهكذا نقول: إن عمل العالم أو فتياه على وفق حديث ليس حكما منه بصحة ذلك الحديث، وكذلك مخالفته للحديث ليست قدحا منه في صحته ولا في راويه. والله أعلم.

[ ص: 565 ] [ ص: 566 ]

التالي السابق


[ ص: 565 ] [ ص: 566 ] 84 - قوله: (وهكذا نقول: إن عمل العالم أو فتياه على وفق حديث ليس حكما منه بصحة ذلك الحديث) انتهى.

وقد تعقبه بعض من اختصر كلامه وهو الحافظ عماد الدين بن كثير فقال: "وفي هذا نظر إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث، إذا تعرض للاحتجاج به في فتياه أو حكمه، واستشهد به عند العمل بمقتضاه" انتهى.

وفي هذا النظر نظر؛ لأنه لا يلزم من كون ذلك الباب ليس فيه غير هذا الحديث أن لا يكون ثم دليل آخر من قياس أو إجماع، ولا يلزم المفتي أو الحاكم أن يذكر جميع أدلته، بل ولا بعضها، ولعل له دليلا آخر واستأنس بالحديث الوارد في الباب، وربما كان المفتي أو الحاكم يرى العمل بالحديث الضعيف وتقديمه على القياس، كما تقدم حكاية ذلك عن أبي داود، أنه كان يرى الحديث الضعيف - إذا لم يرد في الباب غيره - أولى من رأي الرجال، وكما حكي عن الإمام أحمد من أنه يقدم الحديث الضعيف على القياس، وحمل بعضهم هذا على أنه أريد بالضعيف هنا الحديث الحسن. والله أعلم.




الخدمات العلمية