الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وربما غلط غالط، فوقع في شبه الوضع من غير تعمد، كما وقع لثابت بن موسى الزاهد في حديث: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار".

مثال: روينا عن أبي عصمة - وهو نوح بن أبي مريم - أنه قيل له: "من أين لك عن عكرمة، عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذه الأحاديث حسبة".

[ ص: 542 ]

التالي السابق


[ ص: 542 ] 77 - قوله: (وربما غلط غالط فوقع في شبه الوضع، كما وقع لثابت بن موسى الزاهد في حديث: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار") انتهى.

هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في سننه، عن إسماعيل بن محمد الطلحي، عن ثابت بن موسى الزاهد، عن شريك، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، مرفوعا: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار".

[ ص: 543 ] والغلط الذي أشار إليه المصنف هو ما ذكره الحاكم قال: دخل ثابت بن موسى على شريك بن عبد الله القاضي، والمستملي بين يديه، وشريك يقول: حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر المتن، فلما نظر إلى ثابت بن موسى قال: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" وإنما أراد ثابتا لزهده وورعه، فظن ثابت أنه روى هذا الحديث مرفوعا بهذا الإسناد، فكان ثابت يحدث به عن شريك.

وقال أبو حاتم بن حبان في تاريخ الضعفاء: هذا قول شريك، قاله عقيب حديث الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ..." فأدرجه ثابت في الخبر، وسرقه منه جماعة ضعفاء، وحدثوا به عن [ ص: 544 ] شريك، فجعله ابن حبان من نوع المدرج.

وقد اعترض بعض المتأخرين على المصنف بأنه وجد الحديث من غير رواية ثابت بن موسى، فذكر من معجم ابن جميع قال: ثنا أحمد بن محمد بن سعيد الرقي، ثنا أبو الحسن محمد بن هشام بن الوليد، ثنا جبارة بن [ ص: 545 ] المغلس، عن كثير بن سليم، عن أنس بالحديث مرفوعا. انتهى.

وهذا الاعتراض عجيب؛ فإن المصنف لم يقل: إنه لم يروإلا من طريق ثابت، ومع ذلك فهذا الطريق التي اعترض بها هذا المعترض أضعف من طريق ثابت بن موسى؛ لضعف كل من كثير بن سليم وجبارة بن المغلس.

وبدء أمر هذا الحديث قصة ثابت مع شريك، وقد سرقه جماعة من الضعفاء، فحدث به بعضهم عن شريك وبعضهم جعل له إسنادا آخر كهذا الحديث.

قال العقيلي في الضعفاء في ترجمة ثابت بن موسى: "حديث باطل لا أصل له ولا يتابعه عليه ثقة" وقال ابن عدي في الكامل: "حديث منكر لا يعرف إلا بثابت، وسرقه [ ص: 546 ] منه من الضعفاء عبد الحميد بن بحير، وعبد الله بن شبرمة الشريكي، وإسحاق بن بسر الكاهلي، وموسى بن محمد أبو الطاهر المقدسي". قال: "وثنا به بعض الضعفاء عن رحمويه وكذب؛ فإن رحمويه ثقة" انتهى.

ولو اعترض هذا المعترض بواحد من هؤلاء الذين تابعوا ثابت بن موسى عليه كان أقل خطأ من اعتراضه بطريق جبارة.

والحديث له طرق كثيرة، جمعها أبو الفرج بن الجوزي في كتاب العلل المتناهية، وبين ضعفها. والله أعلم.

وقول المصنف في هذا الحديث: أنه "شبه الوضع" حسن؛ إذ لم يضعه ثابت بن موسى، وإن كان ابن معين قد قال فيه: "إنه كذاب".

نعم، بقية الطريق التي سرقها من سرقها موضوعة؛ ولذلك جزم أبو حاتم الرازي بأنه موضوع فيما حكاه ابنه أبو محمد في العلل. والله أعلم.




الخدمات العلمية