الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( وإذا وهب الغاصب الثوب المغصوب لرجل فلبسه حتى تخرق أو كان طعاما فأكله ثم جاء المغصوب منه وضمن الموهوب له فليس له أن يرجع بالضمان على الواهب عندنا ) ، وقال الشافعي رحمه الله له ذلك ; لأنه صار مغرورا من جهته حين أوجب الملك له بالعقد ، وأخبره أنه يهب ملك نفسه ، وأنه لا يلحقه فيه ضمان من جهة أحد ، والمغرور يرجع على الغار بما يلحقه من الضمان دفعا للضرر عنه ، ولكنا نقول : الموهوب له في القبض والأكل عامل لنفسه ، ومن عمل لنفسه فلحقه ضمان بسببه لا يرجع به على أحد ، فأما المغرور قلنا : مجرد الغرور بالخبر لا يثبت له حق الرجوع كمن أخبر إنسانا أن هذا الطريق آمن فسلكه فأخذ اللصوص ماله أو أخبره أن هذا الطعام طيب ، وكان مسموما فتناوله فتلف .

وإنما الغرور في عقد الضمان هو المثبت للرجوع لمعنيين :

( أحدهما ) أن بعقد الضمان يستحق صفة السلامة عن العيب ، ولا عيب فوق [ ص: 82 ] الاستحقاق ، فبفوات ما هو مستحق له ثبت له حق الرجوع ، فأما بعقد التبرع لا يستحق الموهوب له صفة السلامة ; ولهذا لو وجد الموهوب معيبا لا يرده بالعيب ، فلا يرجع بسبب الغرور أيضا .

( والثاني ) وهو أن القابض بحكم عقد الضمان عامل للمالك من وجه ، فإنه يتقرر به حقه في العوض ، وهو الثمن ، فإذا لحقه ضمان بسببه رجع به عليه ، فأما الموهوب له في القبض عامل لنفسه من كل وجه ; لأن الواهب لم يشترط لنفسه شيئا ليتأكد ذلك بقبضه ، وعلى هذا لو وهب له جارية فاستولدها ، ثم جاء مستحق ، واستحقها وأخذها وعقرها وقيمة ولدها لم يرجع الموهوب له على الواهب بشيء ، بخلاف ما لو كان اشتراها ، فإن هناك يرجع بقيمة الولد ; لأنه ضمن له سلامة الولد بعقد الضمان ، فإذا لم يسلم له رجع عليه بما لحقه ، ولا يرجع بالعقر عندنا . وعلى قول الشافعي رحمه الله يرجع بالعقر أيضا ; لأن البائع قد ضمن له سلامة الوطء أيضا ، ولكنا نقول : وجب العقر بما استوفى منها ، وهو الذي نال تلك اللذة ، فلا يرجع بما لحقه بسببه على أحد .

وعلى هذا لو أن غاصب الدابة أجرها فعطبت عند المستأجر ، ثم ضمنه المغصوب منه قيمتها رجع بها على الآخر ليتحقق الغرور بمباشرة عقد الضمان ، ولأن المستأجر في قبضها عامل للآخر من وجه ، فإنه يتقرر به حقه في الأجر ، فأما المستعير إذا ضمن قيمة الدابة لصاحبها لم يرجع على أحد بالاتفاق عندنا لانعدام عقد الضمان كما بينا في الهبة ، وعند الشافعي رحمه الله ; لأن المستعير ضامن للعين في حق المعير فلهذا لا يرجع عليه بما يلحقه من الضمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية