الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. ( وإذا ) استودع رجلان رجلا وديعة من دراهم ، أو دنانير ، أو ثياب ، أو دواب ، أو عبيد ، ثم حضر أحدهما وطلب حقه منه : لم يكن له ذلك حتى يجتمعا ولو خاصمه إلى القاضي ، لم يأمره بدفع نصيبه إليه ، في قول أبي حنيفة . وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - : يأمره بأن يقسم ذلك ويدفع نصيبه إليه ، ولا تكون قسمته جائزة على الغائب ، وعن محمد - في الأمالي - قال : قول أبي حنيفة أقيس وقول أبي يوسف رحمه الله أوسع وجه : قولهما : أن كل واحد من المودعين مالك لنصيبه حقيقة ; فلا يتعذر عليه قبض نصيبه في غيبة الآخر ، كالشريكين في الدين إذا حضر أحدهما كان له أن يطالب المديون بنصيبه ; وهذا لأنه يجب دفع الضرر عن الحاضر ، كما يجب دفع الضرر عن الغائب ، وإنما يندفع الضرر عنهما فيما قلنا : بأن يقسم ، فيدفع إلى الحاضر نصيبه ، ليندفع الضرر عنه ، ثم لا تنفذ قسمته على الغائب ، حتى إذا هلك الباقي في يده ، ثم حضر الغائب : كان له أن يشارك الحاضر فيما قبض دفعا للضرر عنه ، هذا في المكيل والموزون واضح ، فإن الحاضر له أن ينفرد بأخذ نصيبه منهما مع غيبة الآخر ، فكذلك للمودع أن يدفع نصيبه إليه . وقد بينا نظيره في مال المفقود . ومذهب أبي حنيفة مروي عن علي . والمعنى فيه أنه لو دفع شيئا إلى الحاضر : فإما أن يكون المدفوع من نصيبهما جميعا ، أو نصيب الحاضر خاصة ، ولا يمكن أن يجعل ذلك من نصيب الحاضر خاصة ; لأن ذلك لا يكون إلا بعد قسمة معتبرة ، وليس للمودع ولاية على الغائب في القسمة ، فلم يبق إلا أن يكون المدفوع من النصيبين ، [ ص: 124 ] ودفع مال الغير إلى الغير يكون جناية ; فلا يكون للمودع أن يباشر ذلك ، ولا يأمره القاضي به . والحاضر ، وإن كان يتضرر بهذا ، فقد رضي بالتزام هذا الضرر حين ساعد شريكه على الإيداع قبل القسمة ، وإن كان يتمكن هو من أخذه . فكذلك لا يدل على أنه يكون للمودع أن يدفع إليه .

ألا ترى أن صاحب الدين إذا طالب المودع بقضاء دينه من الوديعة ، لم يؤمر المودع بذلك ، ولو ظفر به وهو من جنس حقه كان له أن يأخذه ، وهذا بخلاف الدين ; لأن المديون إنما يقضي بالدين من ملك نفسه ، فدفعه نصيب الآخر إليه تصرف في ملكه ، وليس فيه قسمة على الغائب ; فلهذا يؤمر بخلاف ما نحن فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية