الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وإذا أصاب السهم الصيد فأثخنه حتى لا يستطيع براحا ثم رماه بسهم آخر فقتله لم يحل أكله ) ; لأن هذا قد صار أهليا فقد عجز بالفعل الأول عن الاستيحاش والطيران فذكاته بعد ذلك بالذبح في المذبح لا بالرمي بل الرمي في مثله موجب للحرمة ، ولما اجتمع فيه الموجب للحرمة والموجب للحل يغلب الموجب للحرمة ، ولأن إثخانه إياه كأخذه ، ولهذا لو أثخنه أحدهما وأخذه الآخر فهو للأول ، ولو أخذه ثم رماه فقتله لم يؤكل فكذلك إذا أثخنه ، وإن رمى بالسهم الثاني غيره فقتله لم يحل أيضا لما بينا ، ويغرم قيمته مجروحا للأول في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وأبو حنيفة في هذا لا يخالفهما ، ولكن لم يحفظ جوابه فذكر قول أبي يوسف [ ص: 250 ] ومحمد رحمهما الله ، وهذا لأن الفعل من الأول موجب للملك له والحل له ، والثاني بفعله أتلف صيدا مملوكا للأول فيضمن قيمته بالصفة التي أتلفه ، وإنما أتلفه مجروحا بالجرح الأول ، وإن علم أنه مات من الجراحتين جميعا ، فإنه يضمن نصف قيمته مجروحا بالجرح الأول ، ونصف قيمته لحما ذكيا ; لأن النصف مات بفعله ، والنصف بفعل الأول ; لأن الثاني أفسد عليه اللحم في ذلك النصف ; فلهذا ضمن نصف قيمته لحما ذكيا ، وإن أصابته رمية الثاني قبل أن يصيبه الأول لم يحرم أكله ، ولا يلزمه غرمه ; لأن رمية الثاني لم تخرجه من أن يكون صيدا ، فقد سبق ملكه فلا يغرم له شيئا .

وإذا كان الصيد يتحامل ويطير مع ما أصابه من رمية الأول فرماه الآخر فقتله فهو للثاني حلال ; لأنه هو الذي أخرجه من أن يكون صيدا بفعله ، والأول كالمقر له ، والثاني كالآخذ والصيد لمن أخذ لا لمن أثار ( وإن رمياه جميعا معا أو أحدهما بعد صاحبه قبل أن يصيبه السهم الأول فقتلاه فهو لهما جميعا حلال ) ; لأن كل واحد منهما رمى إلى صيد مباح وأصابه الرميتان جميعا معا ، فقد استويا في سبب الملك ، وذلك موجب المساواة في الملك ، وفعل كل واحد منهما مذك للصيد فيحل تناوله لهما ، وإن رمياه معا فأصابه سهم أحدهما فأثخنه ثم أصاب السهم الآخر فهو للأول ، ويحل تناوله عندنا ، وقال زفر رحمه الله لا يحل ; لأن الرمية من الثاني أصابته وليس بصيد ، والمعتبر وقت الإصابة لا وقت الرمي ; فلهذا لا يحل أكله ، ولكنا نقول : فعل كل واحد منهما موجب للحل ; لأنه رمى إلى صيد ، وفي الحل المعتبر وقت الرمي ; لأن الحل بالذكاة ، وهو فعل المذكي ، وفعله الرمي ، فأما في الملك فلا خير في أكلها ; لأنه لم يظهر لموتها سبب ، وإذا مات السمك بالشبكة وهي لا تقدر على التخلص منها ، أو أكل منها شيئا ألقاه في الماء ليأكله فمات منه وذلك معلوم فلا بأس بأكله ، وكذلك لو ربطها في الماء فهذا كله سبب لموتها ، والمعتبر وقت الإصابة لا وقت الرمي ; فلهذا لا يحل أكله ، ولكنا نقول : فعل كل واحد منهما موجب للحل ; لأنه رمي إلى الصيد ، وفي الحل المعتبر وقت الرمي ; لأن الحل بالذكاة وهو فعل المذكي ، وفعله الرمي ، فأما في الملك المعتبر وقت الإصابة ; لأن الملك يثبت بالإحراز ، وإحراز الصيد بالإصابة دون الرمي .

وعلى هذا لو رمى إلى صيد وسمى فتكسر الصيد ثم أصابه السهم حل عندنا ، ولم يحل عند زفر

التالي السابق


الخدمات العلمية