الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وكذلك يشكل بما إذا كان رأس مال أحدهما حنطة ، ورأس مال الآخر شعيرا . فالشركة لا تصح هنا بينهما - خلطاه أو لم يخلطاه - ورأس مال كل واحد منهما من ذوات الأمثال يمكن تحصيله عند قسمة الربح . ولكن محمد رحمه الله يفرق ويقول : عقد الشركة إنما يثبت ، بعد الخلط ، باعتبار المخلوط . فعند اختلاف الجنس المخلوط ليس من ذوات الأمثال . ألا ترى أن من أتلف هذا المخلوط كان عليه قيمته ، وإن لم يكن من ذوات الأمثال كان بمنزلة العروض ، وأما إذا كان الجنس واحدا فالمخلوط من ذوات الأمثال ، حتى أن من أتلفه يضمن مثله . فيمكن تحصيل رأس مال كل واحد منهما وقت القسمة باعتبار المثل . ( ثم ) عند اختلاف الجنس إذا باعا المخلوط ; فالثمن بينهما على قدر قيمة متاع كل واحد منهما يوم خلطاه مخلوطا ; لأن الثمن بدل المبيع ، فيقسم على قيمة ملك كل واحد منهما ، وملك كل واحد منهما كان معلوم القيمة وقت الخلط ; فتعتبر تلك القيمة ، ولكن مخلوطا ; لأنه دخل في البيع بهذه الصفة ، واستحقاق الثمن بالبيع ; فتعتبر صفة ملك كل واحد منهما حين دخل في البيع . فإن كان أحدهما يزيده الخلط خيرا ; فإنه يضرب بقيمته يوم يقتسمون غير مخلوط . ومعنى هذا أن قيمة الشعير تزداد إذا خلطاه بالحنطة ، وقيمة الحنطة تنتقص ، فصاحب الشعير يضرب بقيمة شعيره غير مخلوط ; لأن تلك الزيادة ظهرت في ملكه من مال صاحبه ، فلا يستحق الضرب به معه . وصاحب الحنطة يضرب بقيمة حنطته مخلوطة بالشعير ; لأن النقصان حصل بعمل هو راض به - وهو الخلط - وقيمة ملكه عند البيع ناقص ، فلا يضرب إلا بذلك القدر . وقد طعن عيسى في الفصلين [ ص: 163 ] جميعا فقال : قوله في الفصل الأول أنه يعتبر قيمة متاع كل واحد منهما يوم خلطاه ، وفي الفصل الثاني يوم يقتسمون ، غلط ; بل الصحيح أنه يقسم الثمن على قيمة متاع كل واحد منهما يوم وقع البيع ; لأن استحقاق الثمن بالبيع ، وإنما يقسم الثمن على القيمة وقت البيع .

ألا ترى أنهما لو لم يخلطا ، ولكن باعا الكل جملة فقسمة الثمن تكون على القيمة وقت البيع ، فكذلك بعد الخلط ، إلا أن يكون تأويل المسألة أن تكون قيمته وقت الخلط والقسمة والبيع سواء . ( قال ) الشيخ الإمام الأجل رحمه الله تعالى : " وعندي " أن ما ذكره صحيح ; لأن معرفة قيمة الشيء بالرجوع إلى قيمة مثله مما يباع في الأسواق ، وليس للمخلوط مثل يباع في الأسواق ; حتى يمكن اعتبار قيمة ملك كل واحد منهما وقت البيع . فإذا تعذر هذا ، وجب المصير إلى التقويم في وقت يمكن معرفة قيمة كل واحد منهما ، كما في جارية مشتركة بين اثنين أعتق أحدهما ما في بطنها ; فهو ضامن لنصيب شريكه معتبرا بوقت الولادة ; لتعذر إمكان معرفة القيمة وقت العتق لكونه مختبئا في البطن ، فيصار إلى تقويمه في أول الحال الذي يمكن معرفة القيمة فيه - وهو بعد الولادة - فكذلك هنا يصار إلى معرفة قيمة ملك كل واحد منهما في أول أوقات الإمكان - وهو عند الخلط - إلا أنه إذا علم أن الخلط يزيد في مال أحدهما وينقص من مال الآخر ، فقد تعذر قسمة الثمن على قيمة ملكهما وقت الخلط ; لتيقننا بزيادة ملك أحدهما ، ونقصان ملك الآخر ، فتعتبر القيمة وقت القسمة باعتبار أن عند الخلط ملك كل واحد منهما من ذوات الأمثال ، فيجعل حق كل واحد منهما بعد الخلط كالباقي في المثل إلى وقت القسمة ، فيقسم الثمن على ما هو حق كل واحد منهما ، بخلاف ما إذا لم يخلطه ; لأن تقويم ملك كل واحد منهما وقت البيع .

التالي السابق


الخدمات العلمية