الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف

          الدكتور / يوسف القرضاوي

          النظرة المتكاملة إلى أسباب التطرف

          والحقيقة أن سبب هـذا التطرف ليس شيئا واحدا ولكن أسبابه متعددة متنوعة، وليس من الإنصاف للحقائق أن نركز على سبب واحد، ونغض الطرف عن الأسباب الأخرى، كما يصنع عادة كل منتم إلى مدرسة معينة.

          فأصحاب المدرسة النفسية يرجعون كل تصرف إلى أسباب نفسية خالصة، كثيرا ما تكمن في العقل الباطن أو اللاشعور ، وبخاصة مدرسة التحليل النفسي .

          والمدرسة الاجتماعية ترد كل شيء إلى تأثير المجتمع وأوضاعه وتقاليده، وما المرء إلا دمية يحرك خيوطها المجتمع كما يقول " دور كايم " !

          وأنصار المادية التاريخية لا يقيمون وزنا إلا للاعتبارات المادية، والدوافع الاقتصادية، فهي التي تصنع الأحداث، وتغير التاريخ.

          وأصحاب النظرة الشاملة المتوازنة يعترفون بأن الأسباب متشابكة ومتداخلة، وكلها تعمل بأقدار متفاوتة، مؤثرة آثارا مختلفة، قد يقوى أثرها في شخص ويضعف في آخر، ولكنها جميعا لها في النهاية أثرها الذي لا يجحد.

          فلا ينبغي لنا أن نقف عند سبب واحد، يبرز أمامنا، ويطغى على غيره من الأسباب. فالواقع أن الظاهرة التي بين أيدينا ظاهرة مركبة، معقدة، وأسبابها كثيرة ومتنوعة، ومتداخلة، بعضها قريب، وبعضها بعيد، بعضها مباشر، [ ص: 60 ] وبعضها غير مباشر، بعضها ماثل للعين، طاف على السطح، وبعضها غائص في الأعماق.

          من هـذه الأسباب ما هـو ديني، وما هـو سياسي، منها ما هـو اجتماعي، وما هـو اقتصادي، ومنها ما هـو نفسي، وما هـو فكري، وما هـو خليط من هـذا كله أو بعضه.

          قد يكمن سبب هـذه الظاهرة - أو السبب الأول لها - في داخل الشخص المتطرف نفسه، وقد يكون السبب أو بعضه عند البحث، داخل أسرته، عند أبويه وإخوته وعلاقاته بهم، وعلاقاتهم بعضهم ببعض.

          وقد يرجع السبب عند التحليل والتعمق إلى المجتمع ذاته، وما يحمل في طيه من تناقضات صارخة: بين العقيدة والسلوك.. بين الواجب والواقع.. بين الدين والسياسة.. بين القول والعمل.. بين الآمال والمنجزات.. بين ما شرعه الله وما وضع البشر.

          ومثل هـذه المتناقضات إن احتملها الشيوخ لا يحتملها الشباب، وإن احتملها بعضهم، لا يحتملها كلهم، وإن احتملوها بعض الوقت، لن يحتملوها كل الوقت.

          وقد يعود السبب إلى فساد الحكم، وطغيان الحكام، وجريهم وراء شهواتهم، وتفريطهم في حقوق شعوبهم. واتباعهم أهواء بطانة السوء في الداخل، والحاقدين على الإسلام في الخارج، مما جعل القرآن والسلطان، أو الدين والدولة في خطين متوازيين لا يلتقيان. [ ص: 61 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية