الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          في أدب الدعوة والحوار

          وأحب أن أركز هـنا على عدة نقاط في أدب الدعوة والحوار، لما لها من أهمية خاصة:

          أولا: يجب مراعاة حق الأبوة والأمومة والرحم، فلا يجوز مواجهة الآباء والأمهات بخشونة، ولا الإخوة ولا الأخوات بغلظة، بدعوى أنهم عصاة أو [ ص: 215 ] مبتدعون أو منحرفون، فإن هـذا لا يسقط حقهم في لين القول، وخاصة الأبوين.

          وحسبنا أن الله قال في حقهما: ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) (لقمان: 15) .

          وليس هـناك ذنب أعظم من الشرك، إلا المجاهدة لتحويل المؤمن إلى مشرك، ورغم صدور هـذا من الوالدين، نهى الله عن طاعتهما فيه، وأمر بمصاحبتهما بالمعروف.

          ومن قرأ حوار إبراهيم عليه السلام لأبيه في القرآن - في سورة مريم - رأى كيف يكون أدب الأبناء في دعوة الآباء، ولو كانوا مشركين.

          فكيف إذا كان الأبوان مسلمين، وإن عصيا وخالفا، فإن لهما، مع حق الوالدية، حق الإسلام؟

          ثانيا: مراعاة حق السن، فلا ينبغي إسقاط هـذا الفارق، ومخاطبة الكبير مخاطبة الصغير، ومعاملة الشيوخ كما يعامل الشباب، بزعم أن الإسلام يسوي بين الناس جميعا، فهذا فهم مغلوط للمساواة التي يراد بها: المساواة في الكرامة الإنسانية، والحقوق العامة. وهذا لا ينافي أن هـناك حقوقا خاصة يجب أن ترعى، مثل حقوق: القرابة والزوجية والجوار وولاية الأمر وغيرها.

          ومن أدب الإسلام هـنا: أن يحترم الصغير الكبير، كما يجب أن يرحم الكبير الصغير، وفي الحديث النبوي: [ ص: 216 ] ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويعرف لعالمنا ) أي يعرف له حقه. وأي شيء أشد من هـذه البراءة: ليس منا. مهما تأولها من تأول؟ [1]

          وفي الحديث الآخر: ( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ... . ) [2]

          ثالثا: مراعاة حق السابقة، فمن كان له فضل سبق في الدعوة إلى الله، وتعليم الناس الخير، أو كان له بلاء حسن في نصرة دين الله تعالى، فلا ينبغي جحود فضله، وإهالة التراب على سابقته، أو الطعن فيه، لفتوره بعد نشاط، أو ظهور ضعف منه بعد قوة، أو تفريط بعد استقامة، فإن رصيده من الخير وسابقته في الجهاد تشفع له.

          ولا أقول هـذا من عند نفسي، بل هـو ما قرره النبي صلى الله عليه وسلم في شأن حاطب بن أبي بلتعة ، حين زلت قدمه إلى ما يشبه الخيانة، حيث كتب إلى مشركي قريش في مكة ، يخبرهم بما أعده النبي صلى الله عليه وسلم من عدد وعدة لفتح بلدهم، هـذا مع شدة حرصه عليه الصلاة والسلام على سرية التحرك.. وهذا ما جعل عمر بن الخطاب يقول: دعني يا رسول الله أضرب عنقه فقد نافق: فكان الجواب النبوي الكريم ( ما يدريكم: لعل الله اطلع على أهل بدر ، فقال: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم. )

          إن سابقة الرجل وجهاده يوم بدر - يوم الفرقان - جعلت النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقبل منه اعتذاره، ويقول لأصحابه عن أهل بدر عامة ما قال. [ ص: 217 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية