الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى ، أخبرنا محمد بن جعفر ، قال : أخبرنا شعبة قال : أخبرنا أشعث ، وهو ابن أبي الشعثاء ) بفتح فسكون وفي إيراد الجملة إشارة إلى أن شعبة أطلق أشعث ومراده ابن أبي الشعثاء ; ليظهر قوله ( عن أبيه عن مسروق عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ) أي استعمال اليمنى وتقديم جانب اليمنى في الأمور الشريفة ( ما استطاع ) أي مدة دوام قدرته على ما ذكر ، وهو تأكيد لاختيار التيمن ومبالغة في عدم تركه ، كما هو العرف في أمثاله ، ونظيره فاتقوا الله ما استطعتم قال العصام : ولم يرد أنه ربما يتركه للضرورة وعدم القدرة انتهى . وهو ظاهر لأنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم خلاف التيمن .

وقال ابن حجر ذكره احترازا عما إذا احتيج لليسار لعارض باليمين ، فإنه لا كراهة في تقديمها حينئذ انتهى . وهو مقرر إذ الضرورات تبيح المحظورات ، وليس الكلام فيه ، والذي يظهر عندي أن مراده والله أعلم ، أنه صلى الله عليه وسلم كان يكتفي باليمين فيما لم يتعسر احترازا عن نحو غسل الوجه ، خلافا للشيعة أو لم يتعذر بأن كان يريد مثلا أن يأخذ العصا والكتاب ، فيتعين أن يأخذ أحدهما باليمين والآخر باليسار ، وكما وقع له الجمع بين أكل القثاء والرطب باليدين ، وكما في لبس النعلين إذا كان محتاجا إلى استعمال اليدين ، وجوز ميرك أن يكون [ ما ] في ( ما استطاع ) موصولة فيكون بدلا من التيمن ( في ترجله ) متعلق بيجب أي في شأن ترجيل شعره وهو تمشيطه وتسريحه ودهنه ( وتنعله ) أي في لبس نعله ( وطهوره ) بضم أوله وفتحه على أنها لغتان في المعنى الاسمي وهو ما يتطهر به ، فالتقدير استعمال طهوره ، ثم ذكر الثلاثة ليس لإرادة انحصارها بل للإشارة إلى أنه كان يراعي التيمن من الفرق إلى القدم ، وفي كل البدن ، ومما ورد في باب التنعل والناس عنه غافلون ، ما روي عن جابر ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنعل الرجل قائما ، لكن ذكر في شرح السنة أن الكراهة لمشقة تلحق في لبس نعال فيها سيور ; لأنه لا يمكن اللبس بدون إعانة اليد ، فلا نهي فيما ليس فيه تلك المشقة ، أقول وفي معنى التنعل المنهي لبس الخفين والسراويل قائما ، فإن الكراهة [ ص: 168 ] محققة فيهما ; لوجود المشقة اللاحقة بلبسهما .

واعلم أن عند دخول المسجد والخروج عنه لا بد من مراعاة اليمين فيهما ، وملاحظة لبس النعل وخلعها فيهما أيضا ، وأكثر الناس لا يلتفتون ، وعن المراعاة جاهلون ، وعن متابعة السنة محرومون .

التالي السابق


الخدمات العلمية