الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا علي بن حجر ) : بضم مهملة فسكون جيم . ( أخبرنا شعيب بن صفوان ) : بفتح أوله ، أخرج حديثه البخاري . ( عن عبد الملك بن عمير ) : تصغير عمر ، أخرج حديثه الستة . ( عن إياد ) : بكسر همز ثم تحتية مخففة ثم دال مهملة . ( بن لقيط ) : بفتح فكسر ، أخرج حديثه البخاري في تاريخه ومسلم في صحيحه . ( العجلي ) : بكسر عين وسكون جيم . ( عن أبي رمثة ) : براء مكسورة الياء ، صحابي ، واختلف في اسمه ( التيمي ) بفتح التاء ، نسبة إلى قبيلة . ( تيم الرباب ) : بكسر الراء وتخفيف الموحدتين ، واحترز عن تيم قريش قبيلة من بكر ، قال ميرك : صح [ ص: 116 ] في أصل سماعنا " الرباب " بكسر الراء ، وكذا ذكره الجوهري في الصحاح وضبطه العسقلاني في شرح البخاري بفتح الراء ، قلت : لعله سبق قلم منه أو من غيره ، ففي القاموس : " الرباب " بالكسر ، أحياء ضبة لأنهم أدخلوا أيديهم في رب وتعاقدوا و " الرب " ثقل السمن ، وقال ابن حجر : " الرباب " بالكسر خمس قبائل - من جملتهم تيم - غمسوا أيديهم في رب وتحالفوا عليه فصاروا يدا واحدة ، انتهى . والخمس : ضبة ، وثور ، وعكل ، وتيم ، وعدي ، على ما ذكره ميرك . وتيم الرباب بالجر في أصلنا ، وقال العصام : إنه منصوب بتقدير أعني ، وما اشتهر من جره غير ظاهر ، فتأمل ، فتأملنا وظهر لنا أن وجهه على ما هو الظاهر أن التيمي معناه المنسوب إلى التيم وفي قوته فيصح جره على البدلية من التيمي ونكتتها تعدد التيم ، ويصح أن يقدر مضاف ، أي أحد تيم الرباب ، ثم لا يخفى أن النصب بتقدير أعني غير ظاهر أيضا ; لأنه لا معنى لقوله يعني بالتيمي تيم الرباب لعدم صحة الحمل فيعود الإشكال فيحتاج إلى تكلف بأن يقال : يعني التيم الذي نسب إليه تيم الرباب ، والله أعلم بالصواب . ( قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي ابن لي ) : الجملة حال من فاعل الإتيان والواو حالية ، ذكره العصام ، وهو موافق لأصلنا المصحح المقابل بالنسخ المعتمدة ، وأما قول الحنفي : " مع ابن لي " ظرف لأتيت ، وفي بعض النسخ " معي ابن لي " ، وهذه الجملة حال من فاعل أتيت ، لكنه اكتفى بالضمير ، فهو مخالف للأصول المعتمدة وغير موجود في النسخ الحاضرة الموجودة ، والله أعلم ، قال ميرك : قوله : " ومعي ابن لي " لم يسم الابن المذكور ، كذا في الشرح ، ووجدت بخطه على هامش نسخته الأصلية مكتوبا وإليه منسوبا ، كذا وقع في الشمائل ، ووقع في رواية أبي داود والنسائي : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي . وأظنه الصواب كما يدل عليه رواية أبي داود فإنه زاد : ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي : " ابنك ؟ " قال : إي ورب الكعبة ، قال : " حقا ؟ " قال : أشهد به ، قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا من ثبت شبهي في أبي ومن حلف أبي علي ، ثم قال : " أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه " وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تزر وازرة وزر أخرى ) ، انتهى . والظاهر المغايرة بينهما بأن رواية الترمذي تكون عن الأب ورواية أبي داود والنسائي عن الابن وحينئذ لا تنافي بينهما . ( قال ) : أي الابن . ( فأريته ) : فعل مجهول من الإراءة ، أي جعلني أبي أو غيره رائيا رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( فقلت لما رأيته ) : أي من غير تأمل وتراخ . ( هذا نبي الله ) : ومعناه علمت يقينا أنه نبي الله من نور جماله العلي وظهور كماله الجلي حيث لا يحتاج إلى إظهار معجزة وإتيان برهان ومحجة . وأما ما اختاره الحنفي من أن هذا على طريقة الاستفهام فهو بعيد مع قطع النظر عن الإيهام الذي هو غير سديد على ما هو المتبادر بعد تحقق الإرادة في الظاهر . ( وعليه ثوبان أخضران ) : أي مصبوغان بلون الخضرة بتمامها ، قال ميرك : وهو أكثر لباس أهل الجنة كما ورد في الأخبار . ويحتمل أنهما كانا مخطوطين بخطوط خضر كما ورد في بعض الروايات : " بردان " بدل " ثوبان " ، والغالب أن البرود ذوات الخطوط ، قال العصام : [ ص: 117 ] المراد بالثوبين الرداء والإزار ، وما قيل فيه أن لبس الثوب الأخضر سنة ضعفه ظاهر إذ غاية ما يفهم منه أنه مباح ، انتهى . وضعفه ظاهر إذ الأشياء مباحة على أصلها ، فإذا اختار المختار شيئا منها بلبسه لا شك في إفادة الاستحباب ، والله أعلم بالصواب ، والجملة حال من مفعول رأيته ، وقال الحنفي : من فاعل " رأيت " وهو بعيد ، أو فاعل " قلت " وهو أبعد ، وقال العصام : حال من " نبي الله " ، ولا يخفى بعده معنى وإن قرب لفظا ، وأما قوله : إنه لا يفصل بين العامل ومعموله بأجنبي من له معرفة أصل نحوي فمدفوع بأن مثل هذا لا يسمى أجنبيا ; لأن قوله : هذا نبي الله ، في حكم التقرير . ( وله شعر ) : أي قليل من نعته أنه ( قد علاه ) : أي غلبه وشمله . ( الشيب ) : فلا ينافي ما مر عن أنس أن : شيبه لم يبلغ عشرين شعرة . ( وشيبه أحمر ) : أي حال كونه يخالط شيبه حمرة في أطراف تلك الشعرات ; لأن العادة أول ما يشيب أصول الشعر ، وأن الشعر إذا قرب شيبه صار أحمر ثم أبيض ، أو المراد بالشيب البياض ، ومعنى أحمر أن ذلك البياض صبغ بحمرة فيوافق ما مر عن ابن عمر ويؤيده ما رواه الحاكم عن أبي رمثة أيضا أن شيبه أحمر مصبوغ بالحناء ، وسيأتي تحقيق أنه صلى الله عليه وسلم هل خضب أم لا ؟ في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى . ولميرك شاه في هذا المقام اعتراض على الطيبي مما ليس في محله .

التالي السابق


الخدمات العلمية