الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا محمود بن غيلان ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا سفيان ) : أي الثوري كما في نسخة ، وقيل هو ابن عيينة . ( عن عون بن أبي جحيفة ) : حديثه في الصحاح . ( عن أبيه ) : صحابي ، مر ذكره . ( قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ) : قال ميرك : وهذه الرؤية وقعت له في بطحاء مكة في حجة الوداع ، كما صرح به في رواية البخاري ، ولفظه : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم بالبطحاء بالهاجرة إلى آخره . وفيه : وخرج في حلة حمراء مشمرا . والبطحاء موضع خارج مكة ، ويقال له الأبطح ، قال : وعند البخاري ، قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ورأيت الناس يبتدرون بلل وضوئه ، فمن أصاب منه شيئا مسح به وجهه ، ومن لم يصب منه شيئا أخذ من بلل صاحبه . وبين في رواية مالك بن مغول أن الوضوء الذي ابتدره الناس كان فضل الماء الذي توضأ به النبي صلى الله عليه وسلم . وكذا في رواية شعبة عن الحكم عند البخاري أيضا ، وزاد من طريق شعبة عن عون عن أبيه : وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بهما وجوههم ، قال فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك . قال : وفي رواية مسلم من طريق الثوري عن عون ما يشعر بأن ذلك كان بعد خروجه من مكة ; لقوله : ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة ، انتهى . وفيه أنه صلى الله عليه وسلم لم ينو الإقامة في حجة الوداع ، فلا يحتاج إلى قوله كان بعد خروجه من مكة ، والله أعلم . ( وعليه حلة حمراء ) : والحلة إزار ورداء ، كذا في المهذب ، وفي الصحاح : لا يسمى حلة حتى يكون ثوبين ، انتهى . والمراد بالحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع سود كسائر البرود اليمنية ، وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط الحمر ، وإلا فالأحمر البحت منهي عنه ومكروه لبسه لحديث أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو قال : مر بالنبي صلى الله عليه وسلم رجل وعليه حلتان حمراوان فسلم عليه فلم يرد عليه . وحمله البيهقي على ما صبغ بعد النسج ، وأما ما صبغ غزله ثم نسج فلا كراهة فيه ، والظاهر أنه لا فرق بينهما لأنه زينة الشيطان وموجب للخيلاء والطغيان ، وقد روى الحسن [ ص: 142 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن الحمرة من زينة الشيطان . ولو سلم أنه لبس الأحمر البحت فإما أن يكون قبل النهي أو لبيان الجواز ، ومقتضى كلام الإمام محيي السنة عدم التنافي بالتخصيص ، وهذا كله يدل على أن الحديث له أصل ثابت ، فلا يصح قول بعضهم إنه حديث ضعيف الإسناد ، وسيأتي في الحديث الآتي ما يظهر لك أنه عليه الاعتماد . ( وكأني أنظر ) : أي الآن . ( إلى بريق ساقيه ) : أي لمعانهما ، ففي القاموس : برق الشيء برقا وبريقا وبرقانا أي لمع . والحنفي وهم أنه وصف فقال : لعله من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف ، وأغرب ابن حجر حيث قال : أي بياضهما ، وبريق مصدر خلافا لمن وهم فيه ، وفيه أن البياض لون الأبيض على ما في القاموس ، قالميرك : وفي رواية مالك بن مغول عن عون : كأني أنظر إلى وبيص ساقيه . وهو بفتح الواو وكسر الموحدة وسكون التحتية وآخره صاد مهملة ، البريق ، لا مصدر ثم في الحديث إشارة إلى استحباب تقصير الثياب ، وسيأتي تحقيقه فيما يخصه من الباب . ( قال سفيان ) : والمطلق من هذا الاسم يراد به الثوري كما إذا أطلق الحسن فهو البصري وإذا أطلق عبد الله فهو ابن مسعود . ( أراها ) : على صيغة المضارع المجهول المتكلم وحده ، يعني أظن الحلة الحمراء . ( حبرة ) : وفي بعض النسخ " نراه " على صيغة المجهول المتكلم مع الغير ، أي نظنه ، وتذكير الضمير باعتبار كون الحلة ثوبا ، وأما قولابن حجر : وهذا الظن لا يفيد حرمة الأحمر البحت ; لأنه لم يبين له مستندا يصلح الاستدلال به . فمدفوع بأن مستنده سيأتي صريحا في شرح الحديث الآتي ، والظاهر أنه أراد بالظن الاعتقاد ، وهو لا يتصور بدون الاستناد ، نعم ، يؤيده تقييدها في بعض الروايات بالحبرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية