فإن من أجهل الناس شرعا وعقلا. ومن زعم من أهل الكلام أنه لا طريق إلى معرفة الصانع وصدق رسوله إلا هذا،
أما الشرع فقد علم أن السابقين الأولين لم يستدلوا به.
وأما العقل، فإن قول القائل: إنه لا دليل إلا هذا، قضية كلية سالبة، وشهادة على النفي العام، وأنه ليس لأحد من بني آدم علم يعلم به صدق الرسول إلا هذا، وهذا مما لم يقيموا عليه دليلا، بل لا يمكن أحد العلم بهذا النفي لو كان حقا، فكيف إذا كان باطلا؟!
وكذلك جميع ما يعارضون به الشرع من العقليات، فإنه لا تخلو من أمرين: إن كانت صحيحة فلم [تصح] الدلالة في ذلك المسلك العقلي، ولا يلزم من بطلانه بطلان دليل الشرع، إذ كان للشرع أدلة عقلية تدل عليه غير ذلك المعين العقلي، وإن كانت باطلة فهي من العقليات الباطلة، وليست أصلا للشرع، فيجب أن يعرف معنى كون العقل أصلا للشرع: أن المراد به أنه دليل.
ونحن قد بينا أن فضلا عن أن يكون هو الدليل على صحة الشرع، ولكن قبل أن نبين ذلك نقول: معلوم أنه لا ينحصر الدال على صحة الشرع [ ص: 280 ] في دليل عقلي خاص، بل غيره من الأدلة العقلية يدل على الشرع، وحينئذ فلا يلزم من بطلان ذلك الدليل العقلي بطلان أصل الشرع، فكيف إذا كان ذلك الدليل باطلا؟! كل ما عارض الشرع من العقليات فليس هو دليلا صحيحا،