وأما قوله: "بوجه من الوجوه" فامتنع منها، وذلك لأنه عرف أن مضمون ذلك التعطيل المحض، فإنه يقتضي أنه ليس بموجود، ولا شيء، ولا حي، ولا عليم، ولا قدير، ويقتضي إبطال جميع أسمائه الحسنى.
وهذا النفي حقيقة قول القرامطة، والله تعالى: ليس كمثله شيء بوجه من الوجوه، بل وله المثل الأعلى. هو سبحانه في كل ما هو موصوف به مختص بما لا يماثله فيه غيره،
ولكن لفظ "الشبه" فيه إجمال وإبهام، فما من شيئين إلا وهما متفقان في أمر من الأمور، ولو أنه في كونهما موجودين، وذلك الذي اتفقا فيه لا يمكن نفيه إلا بنفي كل منهما.
فإذا قيل: هذا لا يوافق هذا بوجه من الوجوه، ولا يواطئه بوجه من الوجوه، كان هذا ممتنعا.
وكذلك إذا أريد بقول القائل: "لا يشبهه بوجه من الوجوه" هذا المعنى، بخلاف ما إذا أراد بذلك المماثلة والمساواة والمكافأة، أو أراد ذلك بلفظ المشاركة والموافقة والمواطأة، فإنه سبحانه لا يماثل شيء بوجه من الوجوه، ولا شريك له بوجه من الوجوه، لا سيما والكليات التي يتفق فيها الشيئان إنما هي في الأذهان لا في الأعيان، فليس في [ ص: 184 ] الموجودات الخارجية اثنان اشتركا في شيء، فضلا عن أن يكون الخالق تعالى مشاركا لغيره في شيء من الأشياء، سبحانه وتعالى.