وكذلك يشفع غيره ممن يأذن الله له في الشفاعة، لكن ليست هي الشفاعة التي يثبتها أصناف المشركين من غير أهل الكتاب، والصابئين، ومن ضاهاهم من أهل الكتاب، كالنصارى ومن ضاهاهم من هذه الأمة: والإسماعلية، وكأهل المضنون به، وغيرهم، فإنهم جعلوا الشفاعة تنفع بدون دعاء الشافع لله، وبدون إذن الرب له في الشفاعة كما تقدم. [ ص: 150 ] كالمتفلسفة الملاحدة،
والله تعالى يقول من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه [سورة البقرة: 255].
وقال تعالى: ولا يشفعون إلا لمن ارتضى [سورة الأنبياء: 28]، وأمثال ذلك في كتاب الله عز وجل.
وهنا جواب آخر عن أصل الحجة وهو أن يقال: هب أن الشيئين يشتركان في شيء موجود في الخارج، ويمتاز أحدهما عن الآخر بما يخصه، وأن الكلي المشترك بينهما ثابت في الخارج، وأن أحدهما إما أن يكون لازما للآخر، أو ملزوما، أو عارضا، أو معروضا، فلم لا يجوز أن يكون المشترك لازما للمعين، بل وملزوما له، بحيث يكون كل من المشترك والمختص مشروطا بالآخر، والشرط لا يجب تقدمه على المشروط؟
وهذا كما أن الحيوانية مع الناطقية والصاهلية، كل منهما مشروط بالآخر، فلا يوجد المختص الذي هو الناطقية والصاهلية إلا مع الحيوانية، ولا توجد حيوانية إلا مع بعض ذلك.
وليس المراد بكون المشترك مشروطا بالمختص أنه مشروط بهذا المعين، بل مشروط: إما بهذا، وإما بهذا، فالمشترك من حيث هو مشترك مشروط بأحدهما لا بعينه، ومن حيث تشخصه وتعينه مشروط بما اقترن به من التعين. [ ص: 151 ]
وهذا ثابت في كل شيئين اتفقا في شيء وافترقا في شيء، ولا حيلة لهم فيه. وذلك أن كون الشيء لازما للآخر، أعم من كونه علة أو معلولا، أو لا علة ولا معلولا، فليس كل لازم معلولا. فإذا كان كل من الوجوبين لازما لمعينه لم يجب أن يكون الواجب معلولا، ولا يكون الملزوم علة.
وبهذا يتبين فساد مقدمته الثانية التي قال فيها: يجوز أن تكون ماهية الشيء سببا لصفة من صفاته، وأن تكون الصفة سببا لصفة أخرى، ولكن لا يجوز أن يكون [الوجود بسبب ماهيته التي ليست من الوجود، أو بسبب صفة أخرى، لأن السبب يتقدم في الوجود ولا يتقدم بالوجود قبل الوجود.
فإنه يقال له: لفظ "السبب" قد تعني به العلة الموجبة، وقد تعني به الشرط، فإن عنيت به الأول لم يجعل الوجود مسببا عن غيره لئلا يلزم تقدم غير الوجود الواجب عليه.